إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن صلى قائمًا فهو أفضل ومن صلى قاعدًا فله نصف

          1115- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) الكوسج (قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ) بفتح الرَّاء في الأوَّل وضمِّ العين وتخفيف الموحَّدة قال: (أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ) المعلِّم (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) بضمِّ الموحَّدة (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين ( ☺ : أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللهِ صلعم . ح) وبه قال: (وَأَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ) وللحَمُّويي والمُستملي والكُشْمِيْهَنِيِّ، في نُسخةٍ: ”وحدَّثنا“ بالجمع، ولابن عساكر: ”وحدَّثني“ وللكُشْمِيْهَنِيِّ والمُستملي في نسخة / : ”وزاد إسحاق“ هو شيخه ابن منصور السَّابق كما قاله ابن حجر، أو إسحاق بن إبراهيم كما نصَّ عليه(1) الكلاباذيُّ والمِزِّيُّ في «الأطراف» فيما نقله العينيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ) التَّنُّوريُّ (قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي) عبد الوارث بن سعيد (قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ) بالألف واللَّام، لِلَمح الصِّفة لأنَّهما لا يدخلان‼ في الأعلام، وهو المعلِّم السَّابق (عَنِ ابْنِ(2) بُرَيْدَةَ) بضمِّ الموحَّدة، عبد الله، وفي «اليونينيَّة»: ”عن أبي بُرَيدة“، وقال في هامشها: إنَّ صوابه بالنُّون بدل الياء(3) (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ) بضمِّ الحاء مع التَّنكير، ولأبي ذَرٍّ: ”الحصين“ وفيه التَّصريح بالتَّحديث عن عِمران، واستغنى به عن تكلُّف ابن حِبَّان في إقامة الدَّليل على أنَّ ابن بُرَيدة عاصر عِمران (وَكَانَ) ابن حصينٍ (مَبْسُورًا) بفتح الميم وسكون الموحَّدة وبعدها سينٌ مهملة، أي: كان به بواسير، وهي في عُرف الأطباء: نفاطَاتٌ تحدث في نفس المُقعدة ينزل منها مادَّةٌ (قَالَ: سَأَلْتُ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وأبي الوقت في نسخةٍ: ”أنَّه: سأل“ (رَسُولَ اللهِ صلعم عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ) أي: النَّفل أو الفرض حال كونه (قَاعِدًا، فَقَالَ) ╕ : (إِنْ صَلَّى) حال كونه (قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى) نفلًا حال كونه (قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى) حال كونه (نَائِمًا) بالنُّون، يعني: مضطجعًا على هيئة النَّائم، كما يدلُّ عليه قوله في رواية أبي داود: «فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ»، وكذا في رواية التِّرمذيِّ وابن ماجه وأحمد في «سننه»، وفيها: عن عمران بن حصين قال: كنت رجلًا ذا أسقامٍ كثيرةٍ، وبـ «الاضطجاع» فسَّره به المؤلِّف كما يأتي في الباب التَّالي إن شاء الله تعالى، وهذا كلُّه يردُّ على الخطَّابيِّ حيث حمل النَّوم على الحقيقيِّ الذي إذا وجده يقطع الصَّلاة، وادَّعى أنَّ الرِّواية: «ومن صلَّى بإيماءٍ» على أنَّه جارٌّ ومجرورٌ، وأنَّ المجرور(4) مصدر «أومأ»، وغَلِط فيه النَّسائيُّ، وقال: إنَّه صحَّفه (فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ) إلَّا النَّبيّ صلعم فإنَّ صلاتَه قاعدًا لا ينقص أجرُها عن صلاته قائمًا لحديث عبد الله بن عمر(5) المرويِّ في مسلمٍ وأبي داود والنَّسائيِّ قال: بلغني أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «صلاة الرَّجل قاعدًا على نصف أجر(6) الصَّلاة...»، فأتيتُه فوجدتُه يُصلِّي جالسًا، فوضعت يدي على رأسي، فقال: ما لكَ يا عبد الله؟ فأخبرته، فقال: «أجل، ولكنِّي لست كأحدٍ منكم» وهذا ينبني على أنَّ المتكلِّم داخلٌ في عموم خطابه، وهو صحيحٌ، وقد عدَّ الشَّافعيَّة هذه المسألة في(7) خصائصه، وسؤال عمران بن حصينٍ عن الرَّجل خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، فالمرأة والرَّجل في ذلك سواءٌ، والنِّساء شقائق الرِّجال، وهل ترتيب الأجر فيما ذُكِر في المتنفِّل أو المفترِض؟ حمله بعضهم على المتنفِّل القادر، ونقله ابن التِّين وغيره عن أبي عبيدٍ(8)، وابن الماجِشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيليِّ والدَّاوديِّ وغيرهم، ونقله التِّرمذيُّ عن الثَّوريِّ، وحمله آخرون _منهم الخطَّابيُّ_ على المفترِض الَّذي يمكنه أن يتحامل، فيقوم مع مشقَّةٍ وزيادة ألمٍ، فجعل أجره على النَّصف من أجر القائم ترغيبًا له في القيام لزيادة الأجر وإن كان يجوز قاعدًا، وكذا في الاضطجاع، وعند أحمد بسندٍ رجالُه ثقاتٌ، من طريق ابن جريجٍ عن ابن شهابٍ عن أنسٍ قال(9): «قدم النَّبيُّ صلعم المدينة وهي مُحَمَّة، فَحُمَّ النَّاس، فدخل النَّبيُّ صلعم المسجد والنَّاس‼ يُصلُّون من قعودٍ، فقال: صلاة القاعد نصف صلاة القائم»، وصنيع المؤلِّف يدلُّ على ذلك، حيث أدخلَ في الباب حديثي عائشة وأنسٍ، وهما في صلاة المفترض قطعًا.
          ورواة هذا الحديث بطريقيه كلُّهم بصريُّون إلَّا شيخ المؤلِّف وابن بريدة فمروزيَّان، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في البابين التَّاليين لهذا، وأبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه.


[1] «عليه»: ليس في (س).
[2] في (د): «أبي»، وليس بصحيحٍ.
[3] قوله: «وفي اليونينيَّة: عن أبي بُرَيدة».
[4] «وأنَّ المجرور»: سقط من (د).
[5] في (د) و(س): «عمرو».
[6] «أجر»: سقط من (د) و(م).
[7] في (د): «من».
[8] في (س): «عبيدة»، والمثبت موافق لـ «الفتح» 2/682.
[9] زيد في (د): «لمَّا».