إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي سفيان مع هرقل

          51- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ) بالزَّاي، ابن محمَّد بن مصعب بن عبد الله بن الزُّبير بن العوَّام القرشيُّ المدنيُّ، المُتوفَّى بالمدينة سنة ثلاثين ومئتين (قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) هو ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ القرشيُّ المدنيُّ (عَنْ صَالِحٍ) هو ابن كيسان الغفاريُّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين (بْنِ عَبْدِ اللهِ) بفتحها ابن عُتبة، أحد الفقهاء السَّبعة بالمدينة (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو سُفْيَانَ) بتثليث أوَّله، وللأَصيليِّ: ”ابن حربٍ“ (أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ) أي: لأبي سفيان: (سَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟) وفي الرِّواية السَّابقة [خ¦7] الاستفهام بالهمزة وهو القياس؛ لأنَّ «أَم» المتَّصلة مستلزمةٌ للهمزة، وأجيب: بأنَّ «أمْ» هنا منقطعةٌ، أي: بل يَنْقُصُون، فيكون إضرابًا عن سؤال الزِّيادة، واستفهامًا عن النُّقصان، على أنَّ جارَ الله(1) أطلق أنَّها لا تقع إلَّا بعد الاستفهام، فهو أعمُّ من الهمزة (فَزَعَمْتَ) وفي السَّابقة: ”فَذَكَرْتَ“ (أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ) أي: أمر الإيمان، كما في الرِّواية السَّابقة (وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ) وفي السَّابقة: ”أيرتد“ بالهمزة (أَحَدٌ سَخْطَةً) بفتح السِّين، وفي روايةٍ لابن عساكر: ”أحدٌ منهم سَخْطَةً“ (لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ) وفي السَّابقة: ”فَذَكَرْتَ“ (أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ، لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ) بفتح المُثنَّاة التَّحتيَّة والخاء، ولم يذكر هذه اللَّفظةَ وتاليَها في الرِّواية السَّابقة، وبين المؤلِّف وبين الزُّهريِّ هنا ثلاثةُ أنفسٍ، وفي السَّابقة اثنان: أبو اليمان وشعيبٌ، واقتصر هنا على هذه القطعة من جمله السَّابقة لتعلُّقها بغرضه هنا(2)؛ وهي تسمية الدِّين إيمانًا، ونحو هذا الحذف يسمُّونه خرمًا، والصَّحيح: جوازه من العالِم إذا كان ما تركه غير متعلِّقٍ بما رواه؛ بحيث لا يختلُّ البيان ولا تختلف الدَّلالة، والظَّاهر: أنَّ الخرم وقع مِنَ الزُّهريِّ لا من البخاريِّ لاختلاف شيوخ الإسنادين بالنِّسبة إلى المؤلِّف، ولعلَّ شيخه ابن حمزة لم يَذكُر في مقام الاستدلال على أنَّ الإيمان دينٌ إلَّا هذا القدر، وإنَّما يقع الخرم لاختلاف المقامات والسِّياقات، فهناك بيان كيف الوحيُ يقتضي ذكر الكلِّ، ومقام الاستدلال يقتضي الاختصار.
          ورواته كلُّهم مدنيُّون، وفيهم ثلاثةٌ من التَّابعين، مع التَّحديث والإخبار والعنعنة.


[1] جار الله هو الإمام الزمخشري المفسر، لقِّب بذلك لمجاورته في مكة المكرمة.
[2] في (س): «عنَّا»، وهو تحريفٌ.