إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عمر: وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قيامًا وركبانًا

          943- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيُّ) البغداديُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذَرٍّ: ”حدَّثنا“ (أَبِي) يحيى المذكور (قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ) عبد الملك بن / عبد العزيز (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بن أبي عيَّاشٍ، مولى الزُّبير بن العوَّام (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب (نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ) الموقوف عليه ممَّا صدر منه عن رأيه، لا عن روايته عن ابن عمر ممَّا رواه الطَّبريُّ عن سعيد بن يحيى شيخ البخاريِّ فيه(1)، بإسناده المذكور إلى ابن عمر قال: (إِذَا اخْتَلَطُوا) أي: اختلط المسلمون بالكفَّار يصلُّون حال كونهم (قِيَامًا) أي: قائمين، وكذا أخرجه الإسماعيليُّ عن الهيثم بن خلفٍ عن سعيدٍ، وزاد كالطَّبريِّ في روايته السَّابقة بعد قوله: «اختلطوا»: «فإنَّما هو الذِّكر وإشارةٌ بالرَّأس»، وتبيَّن من هذا أنَّ قوله هنا: «قيامًا» تصحيفٌ من قوله: «فإنَّما». (وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب حال(2) كونه مرفوعًا (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) فليس صادرًا عن رأيه: (وَإِنْ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”وإذا“ (كَانُوا) أي: العدوُّ (أَكْثَرَ) عند اشتداد الخوف (مِنْ ذَلِكَ) أي: من الخوف الَّذي لا يمكن معه القيام في موضعٍ، ولا إقامة صفٍّ(3) (فَلْيُصَلُّوا) حينئذٍ حال كونهم (قِيَامًا) على أقدامهم (وَرُكْبَانًا) على دوابِّهم لأنَّ فرض النُّزول سقط، ولـ «مسلمٍ» في آخر هذا الحديث: قال ابن عمر: «فإذا كان خوفٌ أكثر من ذلك فليصلِّ راكبًا أو قائمًا، يومئ إيماءً» وزاد مالكٌ في «المُوطَّأ» في آخره‼ أيضًا: «مستقبل القبلة أو غير مستقبلها» والمراد أنَّه إذا اشتدَّ الخوف والتحم القتال، أو اشتدَّ الخوف ولم يأمنوا أن يركبوهم لو وَلَّوا أو انقسموا فليس لهم تأخير الصَّلاة عن وقتها، بل يصلُّون ركبانًا ومشاةً، ولهم ترك الاستقبال إذا كان بسبب القتال، والإيماء عن الرُّكوع والسُّجود عند العجز للضَّرورة، ويكون السُّجود أخفض من الرُّكوع ليتميَّزا، فلو انحرف عن القبلة لجماح الدَّابَّة، وطال الزَّمان بطلت صلاته(4)، ويجوز اقتداء بعضهم ببعضٍ مع اختلاف الجهة كالمصلِّين حول الكعبة، ويُعذَر في العمل الكثير، لا في الصِّياح لعدم الحاجة إليه، وحكم الخوف على نفسٍ أو منفعةٍ من سَبُعٍ أو حيَّةٍ أو حرقٍ أو غرقٍ أو على مالٍ _ولو لغيره، كما في «المجموع»_ فكالخوف في القتال، ولا إعادة في الجميع.
          ورواة الحديث ما بين بغداديٍّ وكوفيٍّ ومكِّيٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلمٌ والنَّسائيُّ، والله أعلم(5).


[1] «فيه»: ليس في (م).
[2] «حال»: ليس في (د).
[3] قال السندي في «حاشيته»: (جاء في رواية مسلم وغيره: «فإن كان خوف أكثر من ذلك» أو أشد من ذلك، وذلك اللَّفظ أوضح، فقال القسطلاني في تفسير ما في الكتاب: وإن كانوا _أي: العدو_ أكثر من ذلك؛ أي: من الخوف الذي يمكن معه القيام في موضع، ولا يخفى أنَّ توصيفَ النَّاس بأنَّهم أكثر من الخوف غير مناسبٍ إذ الواجبُ في اسم التَّفضيل هو المجانسةُ ولا مجانسةَ بين الخوف والنَّاس, والوجه أن يقال: وإن كانوا _أي: المؤمنين_ أي: خوفهم أكثر من ذلك، كما هو رواية مسلم وغيره، أو «إن كانوا» _أي: العدو_ «أكثر من ذلك» أي: ممَّن يمكن معهم القيام، والله تعالى أعلم).
[4] في (ص): «الصَّلاة».
[5] «والله أعلم»: مثبتٌ من (ب) و(س).