إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انتدب الله لمن خرج في سبيله

          36- وبالسَّند إلى البخاريِّ قال: (حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ) أي: ابن عمر العَتَكِيُّ؛ بفتح المُهمَلَة والمُثنَّاة الفوقيَّة؛ نسبةً إلى العتيك بن الأسد القَسْمَليِّ؛ بفتح القاف وسكون المُهمَلَة وفتح الميم؛ نسبةً إلى قَسْمَلَة، وهو معاوية بن عمرٍو، أو إلى القساملة؛ قبيلة من الأزد، البصريُّ، ثقةٌ من كبار العاشرة، وانفرد به المؤلِّف عن «مسلمٍ»، وتوفِّي سنة ثلاثٍ أو ستٍّ وعشرين ومئتين (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) بن زيادٍ العبديُّ؛ نسبةً إلى عبد القيس البصريُّ الثَّقفيُّ؛ نسبةً إلى ثقيفٍ، المُتوفَّى سنة سبعٍ وسبعين ومئةٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ) بضمِّ العين المُهمَلَة، ابن القعقاع بن شبرمة الكوفيُّ الضَّبيُّ؛ نسبةً إلى ضَبَّةَ بن أُدِّ بن طابخةَ (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ) هَرمٌ أو عبد الرَّحمن أو عمرٌو أو عبد الله (بْنُ عَمْرٍو) وفي رواية غير أبي ذَرٍّ والأَصيليِّ بزيادة: ”بْنِ جَرِيرٍ(1) البَجَليُّ“؛ بفتح المُوحَّدة والجيم نسبةً إلى بَجِيلة بنت صعبٍ (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه(2) (قَالَ(3): انْتَدَبَ اللهُ) بنونٍ ساكنةٍ ومُثنَّاةٍ فوقيَّةٍ مفتوحةٍ ودالٍ مُهملَةٍ كذلك في آخره مُوحَّدةٌ، وقال الحافظ ابن حجرٍ في رواية الأَصيليِّ هنا: ”ائتدب“ بمُثنَّاةٍ تحتيَّةٍ مهموزةٍ بدل النُّون؛ مِنَ المأدبة قال: وهو تصحيفٌ، وقد وجَّهوه بتكلُّفٍ، لكنَّ إطباقَ الرُّواة على خلافه مع اتِّحاد المَخْرَج كافٍ في تخطئته. انتهى.
          وعَزَاهَا القاضي عياضٌ لرواية القابسيِّ، وأمَّا رواية: ”انتدب“ بالنُّون؛ فهو من ندبتُ فلانًا لكذا فانتدب، أي: أجاب إليه، وفي «القاموس»: وندبه إلى الأمر: دعاه وحثَّه، أو معناه: تكفَّل، كما رواه المؤلِّف في أواخر «الجهاد» [خ¦2797] أو سارع بثوابه وحسن جزائه، وللأَصيليِّ وكريمةَ: ”انتدب الله ╡ “ (لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ) حال كونه (لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ) وفي روايةٍ: ”إلا الإيمان“ (بِي و(4)تَصْدِيقٌ بِرُسُلِي) بالرَّفع فيهما فاعلُ «لا يُخْرِجُه»، والاستثناء مُفرَّغٌ، وإنَّما عدل عن «به» _الذي هو الأصل_ إلى «بي» للالتفات من الغَيبة إلى التَّكلُّم، وقول ابن مالكٍ في «التَّوضيح»: كان الأَلْيَقُ «إيمانٌ به» ولكنه على تقدير حالٍ محذوفٍ، أي: قائلًا: لا يخرجه إلَّا إيمانٌ بي، و«لا يخرجه» مقول القول؛ لأنَّ صاحب الحال على هذا التَّقدير هو الله. ردَّه ابن المُرَحِّل، فقال: أساء في قوله: «كان الأَلْيَق» وإنَّما هو من باب الالتفات، ولا حاجة إلى تقدير حالٍ؛ لأنَّ حذف الحال لا يجوز، حكاه الزَّركشيُّ وغيره. وقال في «المصابيح»: ما ذكره من عدم جواز حذف الحال ممنوعٌ، فقد ذكر ابن مالكٍ من شواهده هنا قوله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }[البقرة:127] أي: قائلين، وقوله تعالى: { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُم }[الرعد:23-24] أي: قائلين: سلامٌ عليكم، وقوله تعالى: { وَيَسْتَغْفِرُونَ (5)لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ }[غافر:7] أي: قائلين، قال ابن المرَحِّل: وإنَّما هو من باب الالتفات، وقال الزَّركشيُّ: الأَلْيَق أن يُقَال: عدل عن ضمير الغَيبة إلى الحضور؛ يعني: أنَّ الالتفات يوهم الجسميَّة، فلا يُطْلَق في كلام الله تعالى، وهذا خلاف ما أطبق عليه علماء البيان، وذكر الكِرمانيُّ قوله: «أو(6) تصديقٌ برسلي» بلفظ «أو» واستشكله؛ لأنَّه لا بدَّ من الأمرين: الإيمان بالله والتَّصديق برسله، وأجاب بما معناه: أنَّ «أو» بمعنى: الواو، أو أنَّ الإيمان بالله مستلزمٌ لتصديق رسله، وتصديق رسله مُستلزمٌ للإيمان بالله، وتعقَّبه الحافظ ابن حجرٍ: بأنَّه لم يثبت في شيءٍ من الرِّوايات بلفظ «أو». انتهى. نعم وجدته في أصل / فرع «اليونينيَّة» كهي، «أو» بالألف قبل الواو، وعلى الألف: «لا س» وفوق الواو جَزْمةٌ سوداء ونَصْبةٌ بالحمرة، وكذا وجدته أيضًا بالألف في متن «البخاريِّ» من النُّسخة التي وقفت عليها من «تنقيح الزَّركشيِّ»، وكذا في نسخة كريمة، وعند الإسماعيليِّ كمسلمٍ: «إلَّا إيمانًا» بالنَّصب مفعولٌ له، أي: لا يخرجه المخرج إلَّا الإيمان والتَّصديق (أَنْ أَرْجِعَهُ) بفتح الهمزة من «رَجَعَ»، و«أن» مصدريَّةٌ، والأصل بأن أرجعه، أي: برجعه إلى بلده (بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ) أي: بالذي أصابه من النَّيل؛ وهو العطاء، من أجرٍ فقط إن لم يغنموا (أَوْ) أجرٍ مع (غَنِيمَةٍ) إن غنموا، أو أنَّ(7) «أو» بمعنى الواو، كما رواه أبو داودَ «بالواو» بغير ألفٍ، وعبَّر بالماضي موضع المضارع في قوله: «نال»(8) لتحقُّق وعده تعالى (أَوْ) أن (أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ) عند دخول المقرَّبين بلا حسابٍ ولا مُؤاخَذَةٍ بذنوبٍ؛ إذ تُكفِّرها الشَّهادة، أو عند موته؛ لقوله: {أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:169] (وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) أي: لولا المشقَّة (عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ) بالنَّصب على الظَّرفيَّة، أي: ما قعدت بعد (سَرِيَّةٍ) بل كنت أخرج معها بنفسي لِعِظَمِ أجرِها، و«لولا»: امتناعيَّةٌ، و«أنْ» مصدريَّةٌ في موضع رفعٍ بالابتداء، و«ما قعدت» جواب «لولا»، وأصله: «لمَا» فحُذِفَت اللَّام، والمعنى: امتنع عدم القعود؛ وهو القيام لوجود المشقَّة، وسَبَبُ المشقَّة صعوبةُ تخلُّفِهم بعده، ولا قُدرةَ لهم على المسير معه لضيق حالهم، قال ذلك صلعم شفقةً على أمَّته، جزاه الله سبحانه عنَّا أفضلَ الجزاء (وَلَوَدِدْتُ) عطفًا على «ما قعدت»، واللَّام للتَّأكيد، أو جواب قسمٍ محذوفٌ، أي: والله لَوَدِدْتُ، أي: أحببت (أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ) بضمِّ الهمزة في كلٍّ من «أُحْيَا» و«أُقْتَل»، وهي(9) خمسة ألفاظٍ، وفي رواية الأَصيليِّ: ”أن أُقْتَل“ بدل «أنِّي»، ولأبي ذَرٍّ: ”فأُقتَل ثمَّ أحيا فأُقتَل“ كذا في «اليونينيَّة»، وخُتِم بقوله: «ثمَّ أُقْتَل»، والقرار إنَّما هو على حالة الحياة لأنَّ المُرَادَ الشَّهادةُ، فختم الحال عليها، أو الإحياء للجزاء من المعلوم، فلا حاجة إلى وَدَادَتِه لأنَّه ضروريُّ الوقوع، و«ثمَّ»: للتَّراخي في الرُّتبة أحسن من حملها على تراخي الزَّمان لأنَّ المُتمنَّى حصولُ مرتبةٍ بعد مرتبةٍ إلى الانتهاء إلى الفردوس الأعلى، فإن قلت: تمنِّيه ╕ أن يُقتَل يقتضي تمنِّيَ وقوع زيادة الكفر لغيره، وهو ممنوعٌ للقواعد، أُجِيب: بأنَّ مراده ╕ حُصولُ ثواب الشَّهادة، لا تمنِّيَ المعصية للقاتل.
          وفي الحديث: استحبابُ طلب القتل في سبيل الله، وفضل الجهاد، ورجاله ما بين بصريٍّ(10) وكوفيٍّ، خالٍ عن العنعنة، ليس فيه إلَّا التَّحديث والسَّماع، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الجهاد» [خ¦2797]، وكذا مسلمٌ والنَّسائيُّ.


[1] في (س): «ابن جريز»، وهو تصحيفٌ.
[2] «أنَّه»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[3] «قال»: سقط من (س).
[4] في (م): «أو»، وهو خطأٌ.
[5] في (ل): «يستغفرون».
[6] في (م): «و»، وهو خطأٌ.
[7] «أو أنَّ»: سقط من (م).
[8] في (م): «قال»، وهو تحريفٌ.
[9] في (م): «وهنَّ».
[10] في (م): «مصري».