إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يجعل أحدكم للشيطان شيئًا من صلاته

          852- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك (قَالَ: حَدَّثَنَا) ولأبي ذَرٍّ: ”أخبرنا“ (شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن مهران الأعمش (عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ) بضمِّ العين فيهما (عَنِ الأَسْوَدِ) بن يزيد النَّخَعِيِّ (قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ : (لَا يَجْعَلْ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”لا يجعلنَّ“ بنون التَّوكيد (أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا) ولـ «مسلمٍ»: «جزءًا» (مِنْ صَلَاتِهِ يَرَى) بفتح أوَّله، أي: يعتقد، ويجوز الضَّمُّ، أي: يظنُّ (أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَلَّا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ) بيانٌ لما قبله؛ وهو الجعل، أو استئنافٌ بيانيٌّ، كأنَّه قِيلَ: كيف يجعل للشَّيطان شيئًا من صلاته؟ فقال: «يرى أنَّ حقًا عليه...» إلى آخره، وقوله: «ألَّا ينصرف» في موضع رفعٍ خبر «أنَّ»، واستُشكِل بأنَّه معرفةٌ؛ إذ تقديره: عدمُ الانصراف، فكيف يكون اسمُها نكرةً وهو معرفةٌ؟ وأُجيب بأنَّ النَّكرة المخصوصة كالمعرفة، أو من باب القلب، أي: يرى أنَّ عدم الانصراف حقٌّ عليه، قاله البرماويُّ تبعًا للكِرمانيِّ، وتعقَّبه العينيُّ فقال: هذا تعسُّفٌ، والظَّاهر أنَّ المعنى: يرى أنَّ واجبًا عليه عدم الانصراف إلَّا عن يمينه، والله أعلم. (لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم كَثِيرًا) حال كونه (يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ) واستنبط ابن المُنَيِّر منه أنَّ المندوب ربَّما انقلب مكروهًا إذا خِيف على(1) النَّاس أن يرفعوه عن رتبته(2) لأنَّ التَّيامن مُستحَبٌّ، لكن لمَّا خشي ابن مسعودٍ أن يُعتقَد وجوبُه أشار إلى كراهته، قال أبو عُبيدة لمن انصرف عن يساره: هذا أصاب السُّنَّة، يريد _والله أعلم_ حيث(3) لم يلزم(4) التَّيامن على أنَّه سنَّةٌ مُؤكَّدةٌ أو واجبٌ، وإلَّا فما يظنُّ أنَّ التَّياسر سنَّةٌ حتَّى يكون التَّيامن بدعةً، إنَّما البدعة في رفع التَّيامن عن رتبته، قاله في «المصابيح».
          ورواة هذا الحديث ما بين كوفيٍّ وواسطيٍّ وبصريٍّ، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة، وثلاثةٌ من التَّابعين، وأخرجه مسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه في «الصَّلاة»، والله أعلم.


[1] في (ص): «من».
[2] في (ص): «مرتبته».
[3] «حيث»: ليس في (ص).
[4] في (د): «يلتزم». وكلا اللفظين وارد في نسخ مصابيح الجامع.