إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من كان اعتكف مع النبي فليرجع

          813- وبه قال: (حدَّثنا مُوسَى) بن إسماعيل التَّبوذكيُّ (قَالَ: حدَّثنا هَمَّامٌ) هو ابن يحيى (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ) سعد بن مالكٍ (الخُدْرِيِّ) ☺ (فَقُلْتُ: أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ) وللأَصيليِّ: ”ألا تخرج إلى النَّخل“ حال كوننا (نَتَحَدَّثْ) بالجزم في الفرع(1)، ولأبي ذَرٍّ: ”نتحدَّثُ“ بالرَّفع (فَخَرَجَ، فَقَالَ) ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ‼: ”قال“: (قُلْتُ) وللأَصيليِّ وأبي الوقت: ”فقلت“: (حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلعم فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ) وللأَصيليِّ: ”النَّبيُّ“ ( صلعم عَشْرَ الأُوَلِ) بضمِّ الهمزة وتخفيف الواو؛ وبإضافة «العشر» لتاليه، وللأَصيليِّ وابن عساكر وأبي الوقت والكُشْمِيْهَنِيِّ(2): ”العشرَ الأُوَلَ“ وفي بعض النُّسخ كما في «المصابيح»: ”اعتكف رسول الله صلعم الأَوَّل“ بغير موصوفٍ والهمزة مفتوحةٌ (مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ) ╕ (فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ) هو (أَمَامَكَ) بفتح الميم الثَّانية، أي: قدَّامك (فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأَوْسَطَ) كذا في أكثر الرِّوايات، والمراد بـ «العشر»: اللَّيالي، وكان من حقِّها أن تُوصَف بلفظ التَّأنيث، ووُصِفت بالمُذكَّر على إرادة الوقت أو الزَّمان، أو التَّقدير: «الثُّلث» كأنَّه قال: ليالي العشر الَّتي هي الثُّلث الأوسط من الشَّهر (فَاعْتَكَفْنَا) بالفاء، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”واعتكفنا“ (مَعَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ) ╕ (فَقَالَ) له: (إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ) هو(3) (أَمَامَكَ، فَقَامَ) كذا لأبي ذَرٍّ، وللأَصيليِّ(4): ”فقام“ وفي روايةٍ: ”ثمَّ قام“ (النَّبِيُّ صلعم ) حال كونه (خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ) نُصِبَ على الظَّرفيَّة، أي: في صبيحة عشرين (مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ) ╕ : (مَنْ كَان اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صلعم ) أي: معي، فهو من باب الالتفات من التَّكلُّم للغيبة(5) (فَلْيَرْجِعْ) إلى الاعتكاف (فَإِنِّي أُرِيتُ) بهمزةٍ مضمومةٍ قبل الرَّاء على البناء لغير(6) مُعيَّنٍ، من(7) الرُّؤيا، أي: أُعلِمت، أو: من الرُّؤية، وللحَمُّويي والمُستملي: ”فإنِّي رأيت“ أي: أبصرت (لَيْلَةَ القَدْرِ) وإنَّما رأى علامتها، وهي السُّجود في الماء والطِّين (وَإِنِّي نُسِّيتُهَا) بضمِّ النُّون وتشديد السِّين المُهمَلة المكسورة، وفي بعض النُّسخ: ”أُنْسِيتُها“ بهمزةٍ مضمومةٍ، ففي الرِّوايتين أنَّه نسيها بواسطةٍ، ولأبي ذَرٍّ: ”نَسِيتُها“ بفتح النُّون وتخفيف السِّين، أي: نسيتها من غير واسطةٍ، والمراد أنَّه نسي علم تعيينها في تلك السَّنة (وَإِنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ) جمع آخرةٍ، قال في «المصابيح»: وهذا جارٍ على القياس، قال ابن الحاجب: ولا يُقال هنا [الأُخر](8) جمعٌ لـ «أخرى»(9) لعدم دلالتها على التَّأخير الوجوديِّ، وهو مرادٌ، وفيه بحثٌ. انتهى. (وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ). (وَكَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا) من السَّحاب (فَجَاءَتْ قَزَْعَةٌ) بفتح القاف والزَّاي المُعجَمة والعين المُهمَلة، وقد تُسكَّن الزَّاي؛ قطعةٌ من سحابٍ رقيقةٌ (فَأُمْطِرْنَا) بضمِّ الهمزة وكسر الطَّاء (فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلعم ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالمَاءِ) ولابن عساكر: ”أثر الماء والطِّين“ (عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللهِ) وللأَصيليِّ: ”على جبهة النَّبيِّ“ ( صلعم وَأَرْنَبَتِهِ) بفتح الهمزة وسكون الرَّاء وفتح النُّون والمُوحَّدة؛ طرف أنفه، وحمله الجمهور على الأثر الخفيف، لكن يعكِّر عليه قوله في بعض طرقه [خ¦2018]: «ووجهه ممتلئ طينًا وماءً»، وأجاب النَّوويُّ بأنَّ الامتلاء المذكور لا يستلزم ستر جميع الجبهة، وقول الخطَّابيِّ: فيه دلالةٌ على وجوب السُّجود على الجبهة والأنف، ولولا ذلك لصانهما(10) عن أثر(11) الطِّين، وتعقَّبه ابن المُنَيِّر بأنَّ الفعل / لا يدلُّ على الوجوب، فلعلَّه أخذ بالأكمل، وأخذه من قوله: «صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي» [خ¦631] مُعارَضٌ بأنَّ المندوب في(12) أفعال الصَّلاة أكثر من الواجب، فعارضَ الغالبُ ذلك الأصل. انتهى. وكان ما ذكر من أثر‼ الطِّين والماء (تَصْدِيقَُ رُؤْيَاهُ) ╕ وتأويلها، وضبطه البرماويُّ والعينيُّ كالكِرمانيِّ بالرَّفع بتقدير: «هو»، وفي الفرع وأصله بالنَّصب فقط، وزاد في رواية ابن عساكر: ”قال أبو عبد الله، أي: المؤلِّف: كان الحُميديُّ _أي: شيخه_ يحتجُّ بهذا الحديث، يقول: لا يمسح السَّاجد جبهته من أثر الأرض(13)“.
          وأخرج المؤلِّف الحديث في «الصَّلاة» [خ¦669] و«الصَّوم» [خ¦2016] و«الاعتكاف» [خ¦2036]، ومسلمٌ في «الصَّوم»(14)، وأبو داود في «الصَّلاة»، والنَّسائيُّ في «الاعتكاف»، وابن ماجه في «الصَّوم».


[1] «في الفرع»: ليس في (د).
[2] الرواية في (م): عن الكشميهنيِّ فقط، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[3] «هو»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[4] في (ص) و(م): «الأصيليِّ».
[5] في (م): «إلى الغيبة».
[6] في (م): «من غير».
[7] في (م): «على».
[8] ما بين معقوفين من مصابيح الجامع.
[9] في (م): «الأخرى».
[10] في غير (ب) و(س): «لصانها».
[11] في (س) و(م): «لثق».
[12] في (ص): «من».
[13] في (د): «الطِّين».
[14] في (م): «الصَّلاة»، وليس بصحيحٍ.