إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثًا

          793- وبه قال: (حدَّثنا مُسَدَّدٌ) أي: ابن مسرهدٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”حدَّثنا“ (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ(1)) القطَّان (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين، ابن / عمر العمريِّ (قَالَ: حدَّثنا) وللأربعة: ”حدَّثني“ (سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ) كيسان اللَّيثيِّ الخُنذعيِّ، ويحيى _كما قال(2) الدَّارقُطنيُّ_: حافظٌ عمدةٌ، لا تقدح مخالفته جميع أصحاب عُبَيْد الله في حديثه هذا، حيث رَوَوْه كلُّهم عنه عن سعيدٍ، من غير ذكر أبيه، وحينئذٍ فالحديث صحيحٌ لا علَّة فيه، ولا يُغْتَرُّ بذكر الدَّارقُطنيِّ له في «الاستدراكات» (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ ، وللكُشْمِيْهَنِيِّ ”أنَّ أبا هريرة قال“: (إِنَّ النَّبِيَّ صلعم دَخَلَ المَسْجِدَ) ولأبي ذَرٍّ عن المُستملي والحَمُّويي: ”عن النَّبيِّ صلعم : دخل المسجد“ (فَدَخَلَ) بالفاء، ولأبي ذَرٍّ: ”ودخل“ (رَجُلٌ) هو خَلَّاد بن رافعٍ الزُّرَقِيُّ، جدُّ عليِّ بن يحيى بن عبد الله بن خلَّادٍ(3) (فَصَلَّى) «ركعتين»، كما للنَّسائيِّ، وهل كانتا نفلًا أو فرضًا؟ الظَّاهر الأوَّل، والأقرب أنَّهما ركعتا تحيَّة المسجد (ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلعم ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلعم عَلَيْهِ السَّلام، فَقَالَ) له: وعليك السَّلام (ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) نفيٌ للصِّحَّة لأنَّها أقرب لنفي الحقيقة من نفي الكمال، فهي أَوْلى المجازين، وأيضًا: فلمَّا تعذَّرت الحقيقة وهي نفي الذَّات وجب صرفُ النَّفي إلى سائر صفاتها (فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلعم ) في رواية أبي أسامة [خ¦6667]: «فجاء فسلَّم» وهي أَوْلى لأنَّه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخٍ (فَقَالَ) له ╕ بعد قوله: وعليك السَّلام: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ _ثَلَاثًا_) أي: ثلاث مرَّاتٍ، قال البرماويُّ: وهو‼ متعلِّقٌ بـ «صلَّى» و«قال» و«سلَّم» و«جاء»، فهو من تنازع أربعة أفعالٍ، وإنَّما لم يعلِّمه أوَّلًا لأنَّ التَّعليمَ بعد تكرار الخطأ أثبتُ من التَّعليم ابتداءً، وقِيلَ: تأديبًا له إذ لم يسأل واكتفى بعلمِ نفسِه؛ ولذا لمَّا سأل وقال: لا أحسنُ، عَلَّمَهُ، وليس فيه تأخير البيان لأنَّه كان في الوقت سعةٌ، إن كانت صلاة فرضٍ. (فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، فَمَا) ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”ما“ (أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، قَالَ) ╕ ، ولأبي الوقت(4): ”فقال“: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاة فَكَبِّرْ) تكبيرة الإحرام (ثُمَّ اقْرَأْ مَا) وللأَصيليِّ: ”بما“ (تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ) أي: «الفاتحة» لأنَّها مُيسَّرةٌ(5) لكلِّ أحدٍ، وعند أبي داود: «ثمَّ اقرأ بأمِّ القرآن، أو بما شاء الله»، ولأحمد وابن حبَّان: «ثمَّ اقرأ بأمِّ القرآن، ثمَّ اقرأ بما شئت» (ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ) حال كونك (رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ) حال كونك (قَائِمًا) وفي رواية ابن نُميرٍ عند ابن ماجه بإسنادٍ على شرط الشَّيخين: «حتَّى تطمئنَّ قائمًا»، فالظَّاهر: أنَّ إمام الحرمين لم يقف على هذه الرِّواية حيث قال: وفي إيجاب الطَّمأنينة في الرَّفع من الرُّكوع شيءٌ لأنَّها لم تُذكَر في حديث المسيء صلاته (ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ) حال كونك (سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ) حال كونك (جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ) حال كونك (سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ) المذكور من كلِّ واحدٍ من التَّكبير للإحرام، وقراءة الفاتحة، والرُّكوع، والسُّجود، والجلوس (فِي) كلِّ ركعةٍ واحدةٍ(6) من (صَلَاتِكَ كُلِّهَا) فرضًا ونفلًا، ولم يذكر له بقيَّة الواجبات في الصَّلاة لكونه كان معلومًا عنده.
          فإن قلت: من أين تُؤخَذ المُطابَقة بين التَّرجمة والحديث، فإنَّه لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلِّي المذكور؟ أُجيب بأنَّه ورد في حديث رِفَاعة بن رافعٍ عند ابن أبي شيبة في هذه القصَّة: دخل رجلٌ فصلَّى صلاةً خفيفةً لم(7) يتمَّ ركوعها ولا سجودها، فالظَّاهر أنَّ المؤلِّف أشار بالتَّرجمة إلى ذلك، وأجاب ابن المُنَيِّر بأنَّه ╕ لمَّا قال له: «اركع حتَّى تطمئن راكعًا...» إلى آخر ما ذكر له من الأركان اقتضى ذلك تساويها في الحكم لتناول الأمر كلَّ فردٍ منها، فكلُّ من لم يتمَّ ركوعه أو سجوده أو غير ذلك ممَّا ذكر مأمورٌ بالإعادة. انتهى.
          وهذا الحديث قد سبق في «باب وجوب القراءة للإمام والمأموم» [خ¦757].


[1] في (ب): «معيد»، وهو تحريفٌ.
[2] في (م): «قاله».
[3] وقع في النُّسخ كلِّها: «خالد»، وهو خطأٌ.
[4] في (م): «ذَرٍّ»، وليس بصحيحٍ.
[5] في (د) و(م): «متيسِّرةٌ».
[6] في (د): «ركعة وسجدة من صلاتك».
[7] في (م): «لا».