إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: زادك الله حرصًا ولا تعد

          783- وبه قال: (حدَّثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المنقريُّ التَّبوذكيُّ (قال: حدَّثنا هَمَّامٌ) بفتح الهاء وتشديد الميم، ابن يحيى (عَنِ الأَعْلَمِ) بوزن الأفضل، وقِيلَ له ذلك لأنَّه كان مشقوق الشَّفة السُّفلى أو العليا (وَهْوَ زِيَادٌ) بكسر الزَّاي وتخفيف المثنَّاة، ابن حسَّان بن قرَّة الباهليُّ، من صغار التَّابعين (عَنِ الحَسَنِ) البصريِّ (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) بفتح المُوحَّدة وسكون الكاف، نُفيع بن الحارث بن كَلْدة، وكان من فضلاء الصَّحابة بالبصرة، وفي رواية سعيد بن أبي عَروبة عند أبي داود والنَّسائيِّ عن الأعلم قال: حدَّثني الحسن: أنَّ أبا بكرة حدَّثه: (أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلعم وَهْوَ) أي: والحال أنَّه ╕ (رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ) وعند الأَصيليِّ: ضُرِب على «إلى» (فَذَكَرَ ذَلِكَ) الَّذي فعله من الرُّكوع دون الصَّفِّ (لِلنَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَ) ╕ له: (زَادَكَ اللهُ حِرْصًا) على الخير (وَلَا تَعُدْ) إلى الرُّكوع دون الصَّفِّ منفردًا، فإنَّه مكروهٌ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا أتى أحدكم الصَّلاة فلا يركع دون الصَّفِّ حتَّى يأخذ مكانه من الصَّفِّ»، والنَّهيُ محمولٌ على التَّنزيه، ولو كان للتَّحريم لأمر أبا بكرة بالإعادة، وإنَّما نهاه عن العَوْد إرشادًا إلى الأفضل، وذهب إلى التَّحريم أحمد وإسحاق وابن خزيمة من الشَّافعيَّة لحديث وابصة عند أصحاب السُّنن، وصحَّحه أحمد وابن خزيمة: أنَّ رسول الله صلعم رأى رجلًا يصلِّي خلف الصَّفِّ وحده، فأمره أن يعيد الصَّلاة، زاد ابن خزيمة في روايةٍ له: «لا صلاة لمنفردٍ خلف الصَّفِّ»، وأجاب الجمهور بأنَّ المراد لا صلاة كاملةٌ لأنَّ من سنَّة الصَّلاة مع الإمام اتِّصالَ‼ الصُّفوف وسدَّ الفُرَج، وقد روى البيهقيُّ من طريق مغيرة عن إبراهيم، فيمن صلَّى خلف الصَّفِّ وحده، فقال: «صلاته تامَّةٌ»(1)، أو المراد: لا تَعُدْ إلى أن تسعى إلى الصَّلاة سعيًا بحيث يضيق عليك النَّفَس لحديث الطَّبرانيِّ: «أنَّه دخل المسجد وقد أُقيمت الصَّلاة، فانطلق يسعى»، وللطَّحاويِّ: «وقد حَفَزَهُ النَّفَس»، أو المراد: لا تَعُدْ تمشي وأنت راكعٌ إلى الصَّفِّ لرواية حمَّادٍ عند الطَّبرانيِّ: فلمَّا انصرف ╕ قال: «أيُّكم دخل الصَّفَّ وهو راكعٌ؟»، ولأبي داود: «أيُّكم الَّذي ركع دون الصَّفِّ، ثمَّ مشى إلى الصَّفِّ؟» فقال أبو بكرة: أنا. وهذا وإن لم يفسد الصَّلاة لكونه خَطوةً أو خَطوتين، لكنَّه مثَّل بنفسه في مشيه راكعًا لأنَّها كمشية البهائم، فإن قلت: أوَّل الكلام يُفْهِم تصويب الفعل، وآخره تخطئته، أجاب ابن المُنَيِّر ممَّا نقله عنه في «المصابيح» وأقرَّه بأنَّه صوِّب من فعله الجهة العامَّة، وهي الحرص على إدراك فضيلة الجماعة، فدعا له بالزِّيادة منه، وردَّ عليه الحرص الخاصَّ حين(2) ركع منفردًا، فنهاه عنه، فينصرف حرصه بعد إجابة الدَّعوة فيه إلى / المبادرة إلى المسجد أوَّل الوقت. انتهى. قال في «فتح الباري»: وهو مبنيٌّ على أنَّ النَّهيَ إنَّما وقع عن التَّأخُّر، وليس كذلك.
          ورواة هذا الحديث كلُّهم بصريُّون، وفيه: رواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ عن صحابيٍّ، والتَّحديث والقول والعنعنة، وما فيه من عنعنة الحسن وأنَّه لم يسمع(3) من أبي بكرة وإنَّما يروي عن الأحنف عنه مردودٌ بحديث أبي داود المُصرَّح فيه بالتَّحديث كما مرَّ، وأخرجه أبو داود والنَّسائيُّ في «الصَّلاة».


[1] عبارته كما في الفتح: «صلاته تامة وليس له تضعيف».
[2] في (ب) و(س): «حتَّى».
[3] في (م): «أن لم يسمعه».