إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم

          19- وبالسَّند المذكور أوَّل هذا الشَّرح إلى البخاريِّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) بفتح الميم واللَّام بينهما مُهمَلَةٌ ساكنةٌ، ابن قعنبٍ الحارثيُّ البصريُّ، ذو الدَّعوة المُجَابة، أحد رُوَاة «الموطَّأ»، المُتوفَّى سنة إحدى وعشرين ومئتين (عَنْ مَالِكٍ) هو ابن أنسٍ، إمام دار الهجرة (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) الأنصاريِّ المازنيِّ المدنيِّ، المُتوفَّى سنة تسعٍ وثلاثين ومئةٍ (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد بن مالك بن سنان الخزرجيِّ الأنصاريِّ (الخُدْرِيِّ) بضمِّ المُعجمَة(1) وسكون المُهملَة؛ نسبةً إلى خُدْرةَ جدِّه الأعلى، أو بطنٍ، المُتوفَّى بالمدينة سنة أربعٍ وستِّين أو أربعٍ وسبعين، وله في «البخاريِّ» ستَّةٌ وستُّون حديثًا، زاد في رواية أبي ذَرٍّ: ” ☺ “ (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : يُوشِكُ) بكسر المُعجَمَة، وفتحُها لغةٌ رديئةٌ، وهي من أفعال المقاربة، أي: يقرب (أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمًا) _بالنَّصب_ خبر «يكون»، وفي رواية غير الأَصيليِّ: بنصب ”خيرَ“ خبرًا مقدَّمًا، ورفعِ ”غنمٌ“ اسمًا مُؤخَّرًا، ولا يضرُّ كونه نكرةً؛ لأنَّه موصوفٌ بجملة «يتَّبِع»، وجوَّز ابن مالكٍ رفعهما على الابتداء والخبر، ويقدِّر في «يكون» ضمير الشَّأن، قال في «الفتح»: لكن لم تَجِئْ به الرِّواية، وذكره العينيُّ من غير تنبيهٍ على الرِّواية فأوهم، و«الغنم»: اسمٌ مؤنَّثٌ موضوعٌ للجنس (يَتَّبِعُ بِهَا) بتشديد المُثنَّاة الفوقيَّة «افتعالٌ»؛ من: اتَّبع اتِّباعًا، ويجوز إسكانها من تَبِعَ _بكسر المُوحَّدة_ يَتْبَع، بفتحها، أي: يتبع بالغنم (شَعَفَ) بمُعجَمَةٍ فمُهمَلَةٍ مفتوحتين، جمع: شَعَفَةٍ بالتَّحريك، وهو بالنَّصب مفعول «يتَّبع» أي: رؤوس (الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ) بكسر القاف، وهو بالنَّصب(2) عطفٌ على «شعفَ» أي: مواضع نزول (القَطْرِ) أي: المطر، أي: بطون الأودية والصَّحارى، حال كونه (يَفِرُّ بِدِينِهِ) أي: يهرب بسببه، أو مع دينه (مِنَ الفِتَنِ) طلبًا لسلامته، لا لقصدٍ دنيوِيٍّ، فالعزلة عند الفتنة ممدوحةٌ إلَّا لقادرٍ على إزالتها فتجب الخلطة، عينًا أو كفايةً، بحسب الحال والإمكان، واختُلِف فيها عند عدمها؛ فمذهب الشَّافعيِّ: تفضيل الصُّحبة لتعلُّمه وتعليمه، وعبادته، وأدبه، وتحسين خُلُقِه؛ بحِلْمٍ واحتمالٍ، وتواضعٍ، ومعرفة أحكامٍ لازمةٍ، وتكثير سواد المسلمين، وعيادة مريضهم، وتشييع جنائزهم، وحضور الجمعة والجماعات، واختار آخرون: العزلة للسَّلامة المُحقَّقة، وليعمل بما علم، ويأنس بدوام ذكره، فبالصُّحبة والعزلة كمالُ المرء. نعم؛ تجب العُزلةُ لفقيهٍ لا يَسْلَم دينه بالصُّحبة، وتجب الصُّحبة لمن عرف الحقَّ فاتَّبعه، والباطلَ فاجْتَنَبَه، وتجب على من جهل ذلك لِيَعْلَمَه، فافهم.
          ورجال إسناد هذا الحديث كلُّهم مدنيُّون، وفيه صحابيٌّ ابن صحابيٍّ(3)، وهو من أفراد البخاريِّ عن مسلمٍ، وقد رواه المؤلِّف أيضًا في «الفتن» [خ¦7088] و«الرقاق» [خ¦6495] و«علامات النُّبوَّة» [خ¦3600]، وأخرجه أبو داودَ والنَّسائيُّ.


[1] في (ب) و(س): «الخاء».
[2] في (ب) و(س): «بكسر القاف بالنَّصب».
[3] قولهم: «صحابيٌّ عن صحابيٍّ» فيه نظر، قال في جامع الأصول: «عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة من ثقات تابعي الحجاز، سمع أبا سعيد». انتهى. فليس بصحابي، نعم في السند صحابي ابن صحابي وهو أبو سعيد الخدري، فإن أباه كان صحابياً، استشهد يوم أحد، قال العيني: فيه صحابي ابن صحابي.