إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث مالك: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة

          677- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) بضمِّ الواو تصغير وَهْبٍ، ابن خالدٍ، صاحب الكرابيسيِّ (قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) بن أبي تميمة السَّختيانيُّ (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) بكسر القاف عبد الله بن زيدٍ الجرميِّ (قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ) بضمِّ الحاء(1) المهملة وفتح الواو آخره مُثلَّثةٌ، اللَّيثيُّ (فِي مَسْجِدِنَا هَذَا) مسجد البصرة (فَقَالَ) وللأَصيليِّ: ”قال“: (إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ) بالمُوحَّدة، وللأَصيليِّ: ”لَأصلِّي لكم“ باللَّام، أي: لأجلكم، ولام «لَأصلِّي» للتَّأكيد، وهي مفتوحةٌ (وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ) لأنَّه ليس وقت فرضها، أو كان قد صلَّاها، لكنِّي أريد تعليمكم صفتها المشروعة بالفعل كما فعل جبريل ◙ ؛ إذ هو أوضح من القول مع نيَّة التَّقرُّب بها إلى الله تعالى، أو ما أريد الصَّلاة فقط، بل أريدها وأريد معها قربةً أخرى وهي تعليمها، فنيَّة التَّعليم تبعًا، فتجتمع نيَّتان صالحتان في عملٍ واحدٍ كالغسل بنيَّة الجنابة والجمعة (أُصَلِّي) هذه الصَّلاة (كَيْفَ) أي: على الكيفيَّة الَّتي (رَأَيْتُ النَّبِيَّ(2) صلعم يُصَلِّي) و«كيف»: نُصِب بفعلٍ مُقدَّرٍ، أي: لأريكم كيف رأيت، لكنَّ كيفيَّة الرُّؤية لا يمكن أن يُرِيَهم إيَّاها، فالمراد لازمُها وهو كيفيَّة صلاته ╕ كما نبَّه عليه الكِرمانيُّ وأتباعه.
          قال أيُّوب السَّختيانيُّ: (فَقُلْتُ لأَبِي قِلَابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ:) كان يصلِّي(3) (مِثْلَ) صلاة (شَيْخِنَا هَذَا) هو عمرو بن سَلِمة كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ في «باب اللُّبث بين السَّجدتين» [خ¦818] (قَالَ) أيُّوب: (وَكَانَ) أي: عمرٌو (شَيْخًا) بالتَّنكير، وللأربعة: ”وكان الشَّيخ“ (يَجْلِسُ) جلسةً خفيفةً للاستراحة (إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ) الثَّاني (قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى) وهو سُنَّةٌ عندنا خلافًا لأبي حنيفة ومالكٍ وأحمد، وحملوا جلوسه ╕ على سبب ضعفٍ كان به، أو بعد ما كَبِر وأَسَنَّ(4)، وتُعقِّب بأنَّ حمله على حالة(5) الضَّعف بعيدٌ، والأصل غيره، وبأنَّ سنَّهُ ╕ لا يقتضي عجزه عن النُّهوض، لا سيَّما وهو موصوفٌ بمزيد القوَّة التَّامَّة، فثبتت المشروعيَّة، والسُّنَّة في هذه الجلسة الافتراشُ للاتِّباع، رواه التِّرمذيُّ، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والجارُّ والمجرور يتعلَّق(6) بقوله‼ «من السُّجود» أي: السُّجود الَّذي في الرَّكعة الأولى، لا بـ «ينهض» لأنَّ النُّهوض يكون منها لا فيها.
          ورواة هذا الحديث الخمسة / بصريُّون، وفيه تابعيٌّ عن تابعيٍّ عن صحابيٍّ، والتَّحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في «الصَّلاة» [خ¦818]، وكذا أبو داود والنَّسائيُّ.


[1] «الحاء»: ليس في (د).
[2] في (د): «رسول الله».
[3] «كان يصلِّي»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[4] في (س): «وأمن»، وهو تحريفٌ.
[5] «حالة»: ليس في (ص) و(م).
[6] في (م): «متعلِّقٌ».