إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره

          652- 653- 654- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبوي الوقت وذَرٍّ: ”حدَّثني“ (قُتَيْبَةُ) ولابن عساكر(1): ”قتيبة بن سعيدٍ“ الثَّقفيُّ مولاهم البغلانيُّ البلخيُّ (عَنْ مَالِكٍ) إمام الأئمَّة (عَنْ سُمَيٍّ) بضمِّ السِّين وفتح الميم (مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ) وللأَصيليِّ(2): ”أبي بكر بن عبد الرَّحمن“ أي: ابن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشيِّ المخزوميِّ المدنيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (السَّمَّانِ) كان يجلبه كالزَّيت للكوفة (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ) بالميم، وأصله: «بين»(3) فأُشبِعت فتحة النُّون فصارت ألفًا وزيدت الميم، ظرف زمانٍ مضافٌ إلى جملةٍ من فعلٍ وفاعلٍ، أو / مبتدأٌ وخبرٌ، وهو هنا «رجلٌ» النَّكرة المُخصَّصة بالصِّفة، وهي قوله: (يَمْشِي بِطَرِيقٍ) أي: فيها، وخبر المبتدأ قوله: (وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ) عن الطَّريق، وللحَمُّويي والمُستملي: ”فأخذه“ (فَشَكَرَ اللهُ لَهُ) ذلك، أي: رضي فعله وقبله منه وأثنى عليه (فَغَفَرَ لَهُ) ذنوبه. (ثُمَّ قَالَ(4)) ╕ : (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) جمع شهيدٍ، سُمِّي به(5) لأنَّ الملائكة يشهدون موته، فهو مشهودٌ، «فعيلٌ» بمعنى «مفعولٍ»، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي(6): ”خمسٌ“ بغير تاءٍ بتأويل الأنفس أو النَّسمات، أو المميِّز غير مذكورٍ، فيجوز الأمران (المَطْعُونُ) أي: الَّذي يموت في الطَّاعون، أي: الوباء (وَالمَبْطُونُ): صاحب الإسهال أو الاستسقاء، أو الَّذي يموت بداء بطنه (وَالغَرِيقُ) بالياء بعد الغين المعجمة والرَّاء(7)، وللأَصيليِّ: ”الغرق في الماء“ (وَصَاحِبُ الهَدْمِ) بفتح الهاء وسكون الدَّال، أي: الَّذي مات تحت الهدم (وَالشَّهِيدُ) القتيل (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي: الَّذي حكمه ألَّا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه بخلاف الأربعة السَّابقة، فالحقيقة الأخير، والَّذي قبله مجازٌ، فهم شهداء في الثَّواب كثواب الشَّهيد، وجوَّز الشَّافعيُّ الجمع بينهما، واستُشكِل التَّعبير بالشَّهيد‼ في سبيل الله، مع قوله: «الشُّهداء خمسةٌ» فإنَّه يلزم منه حمل الشَّيء على نفسه، فكأنَّه قال: الشَّهيد هو الشَّهيد، وأُجيب بأنَّه من باب:
أنا أبو النَّجم وشِعْري شِعْري
أو معنى(8) الشَّهيد: القتيلُ، وزاد في «المُوطَّأ»: «و صاحب ذات الجَنْبِ، والحريق، والمرأة تموت بجُمْعٍ»، وعند ابن ماجه من حديث ابن عبَّاسٍ: «موت الغريب شهادةٌ»(9) وإسناده ضعيفٌ، وعند ابن عساكر من حديث ابن عبَّاسٍ أيضًا: «الشَّريق، ومن أكله السَّبُع»، ويأتي مزيدٌ لذلك في محالِّه إن شاء الله تعالى. (وَقَالَ) ╕ : (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ) التَّأذين للصَّلاة (وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) شيئًا (إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ) أي: إلَّا أن يقترعوا عليه لاقترعوا(10)، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ وابن عساكر: ”إلَّا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه“. (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ) كان إتيانًا (حَبْوًا) وفي هذا المتن _كما ترى_ ثلاثةُ أحاديث، وكأنَّ قتيبة حدَّث بذلك كذلك مجموعًا عن مالكٍ، فلم يتصرَّف فيه المصنِّف كعادته في الاختصار.
          ورواته الخمسة كلُّهم مدنيُّون إلَّا قتيبة فبلخيٌّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة.
          وأخرج المؤلِّف حديث(11): «بينما رجلٌ» في «الصَّلاة» [خ¦615] [خ¦652]، ومسلمٌ في «الأدب»، والتِّرمذيُّ في «البرِّ» وقال: حسنٌ صحيحٌ، وحديث «الشُّهداء» في «الجهاد» [خ¦2674] وقوله: «لو يعلم النَّاس ما في النِّداء» أخرجه المؤلِّف في «الصَّلاة» [خ¦615] و«الشَّهادات» [خ¦2689] وكذا النَّسائيُّ.
          وبقيَّة مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محالِّها بعون الله وقوَّته.


[1] في (م): «وللأَصيليِّ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[2] في (م): «ولابن عساكر»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[3] قال السندي في «حاشيته»: بينما ظرف يُضاف إلى جملة، ورجل مبتدأ خبره جملة يمشي بطريق، والجملة مضاف إليها للظَّرف، والعاملُ في الظَّرف «وجد غصنَ شوكٍ»، والأفعال الثَّلاثة بعده معطوفة عليه، والظَّرف إذا أُضيف إلى الجملة يكون في الحقيقةِ مضافًا إلى مضمونِ الجملة، وهو هنا: مشى رجل في الطريق، ولا يخفى أنَّ «بين» يقتضي التَّعدد في المضاف إليه، ولا تعدُّد ههنا فيقدَّر مضاف يحصلُ به التَّعدد وهو الأوقاتُ فيصير التَّقدير: بين أوقات مشى رجل في الطَّريق وجدَ ذلك الرَّجل غصنَ شوكٍ... إلى آخره، والله تعالى أعلم.
والابتداء بالنَّكرة إمَّا لأنَّ المدار على الإفادة، والظَّاهر أنَّ من يشترط التَّخصيص في النَّكرة عند وقوعها مبتدأ إنَّما يشترطه فيها عند كونها في جملة تابعة لجملة أخرى هي المقصودةُ بالإفادة كما ههنا يدلُّ عليه تعليلاتهم، ولو سلم اشتراط التَّخصيص في النَّكرة مطلقًا، فالظَّاهر أنَّ ههنا يقدر الصِّفة؛ أي: رجل مذنبٌ، بقرينة المغفرة على أنَّهم عدوا «إذا» التي للمفاجأة من المسوِّغات نصَّ عليه البعض، والله تعالى أعلم.
وأمَّا قول القسطلاني ⌂ : إنَّ قوله: «يمشي بطريق» صفة «رجل» وخبره «وجد غصن شوك» والجملة مضاف إليها للظرف، فعجيب إذ لا يتمُّ الكلام حينئذٍ أصلًا إذ يصير تمام الحديث كلمة «بين» مع ما أُضيف إليه من الجملة، ولا يتمُّ الكلام من المضاف والمضاف إليه، ولا يبقى للظَّرف عامل أصلًا اللَّهم إلَّا أن يقال: «فأخَّره» عامل في الظَّرف وليس بمعطوف على قوله: «وجد» وهذا ممَّا تأبى عنه الفاء وشهادة الذَّوق، فافهم، والله تعالى أعلم.انتهى. وأورد نحوه مختصرًا العلامة ابن العجمي في حاشيته على (ج).
[4] في (د): «وقال».
[5] في (ب) و(س): «بذلك».
[6] في (م): «وللحمُّويي».
[7] «المعجمة والرَّاء»: ليس في (د).
[8] في (د): «أو هو».
[9] كذا في العمدة، وذكر في الفتح أن الدارقطني صحّح حديث ابن عمر: موت الغريب شهادة.
[10] «عليه لاقترعوا»: سقط من (د).
[11] «حديث»: ليس في (د).