إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لأقضين بينكما بكتاب الله أما الوليدة والغنم

          7193- 7194- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياسٍ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) محمَّد بن عبد الرَّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئبٍ، واسمه هشام قال: (حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ) محمَّد بن مسلمٍ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين (بْنِ عَبْدِ اللهِ) بن عتبة بن مسعودٍ أحد الفقهاء السَّبعة (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرَّحمن بن صخرٍ (وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ) ☻ أنَّهما (قَالَا: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) واحد الأعراب؛ وهم سكَّان البوادي (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ) أي: بما تضمَّنه، أو بحكم الله المكتوب على المكلَّفين (فَقَامَ خَصْمُهُ) هو في الأصل مصدرُ خَصَمه يخصِمه؛ إذا نازعه وغالبه، ثمَّ أُطلِق على المخاصِم، وصار اسمًا له؛ فلذا يطلق على المفرد والمذكَّر وفروعهما، ولم يُسَمَّ الخصم، وزاد في روايةٍ [خ¦6827] «وكان أفقه منه» (فَقَالَ: صَدَقَ) يا رسول الله، وفي روايةٍ [خ¦2724] «نعم» (فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ) قال البيضاويُّ: إنَّما تواردا على سؤال الحكم بكتاب الله مع أنَّهما يعلمان أنَّه لا يحكم إلَّا بحكم الله؛ ليفصل بينهما بالحقِّ الصِّرف، لا بالمصالحة والأخذ بالأرفق(1)؛ لأنَّ للحاكم أن يفعل ذلك برضا الخصمين (فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا) «فعيلٌ» بمعنى: «مفعول»؛ كأَسِيرٍ بمعنى: مَأْسُورٍ، وقيل: بمعنى: «فاعلٍ»؛ كعليمٍ بمعنى: عالمٍ، أي: أجيرًا (عَلَى) خدمة (هَذَا) أو «على» بمعنى: «عند» أي: عنده، أو بمعنى اللَّام، أي: أجيرًا لهذا (فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ) معطوفٌ على «كان عسيفًا» ولم تُسَمَّ المرأة (فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ) بالرَّفع، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”إنَّ على ابنك الرَّجَمَ“ بزيادة «إنَّ» ونصب «الرَّجم» اسمها (فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ) من الرَّجم (بِمِئَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ) «فعيلةٍ» بمعنى: «مفعولةٍ»: أمَة (ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ فَقَالُوا) لي: (إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ) أي: بحكم الله، وهو أَولى من التَّفسير بما تضمَّنه القرآن؛ لأنَّ الحكم فيه التَّغريب، والتَّغريب ليس مذكورًا فيه. نعم؛ يُحتَمَل أن يكون أراد ما كان متلوًّا فيه، ونُسِخَت تلاوته وبقي حكمه؛ وهو: «الشَّيخ والشَّيخة إذا زنيا؛ فارجموهما ألبتَّة نكالًا من الله»، لكن يبقى التَّغريب (أَمَّا‼ الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ) أي: مردودةٌ عليك (وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ) مصدر «غرَّب» مضافٌ إلى ظرفه؛ لأنَّ التقدير: أن يُجلَد مئةً وأن يُغرَّب عامًا، وليس هو ظرفًا على ظاهره مقدَّرًا بـ «في»؛ لأنَّه ليس المراد التَّغريب فيه حتَّى يقع في جزءٍ منه، بل المراد: أن يخرج فيلبث عامًا، فيقدَّر «يغرَّب» بـ «يغيب» أي: يغيب عامًا، وهذا يتضمَّن أنَّ ابنه كان غير مُحصَنٍ واعترف بالزِّنى، فإنَّ إقرار الأب عليه غير مقبولٍ. نعم؛ إن كان من باب الفتوى؛ فيكون معناه: إن كان ابنك زنى وهو بكرٌ؛ فحدُّه(2) ذلك (وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ) بضمِّ الهمزة وفتح النُّون مصغَّرًا (لِرَجُلٍ) من أسلم وهو ابن الضَّحَّاك (فَاغْدُ) بالغين المعجمة (عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) أي: ائتها غُدوةً، أو امشِ إليها (فَارْجُمْهَا) إذا اعترفت (فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ) فاعترفت (فَرَجَمَهَا) وفي رواية اللَّيث [خ¦2724] فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلعم فرُجِمت، وظاهره _كما في «الفتح»_: أنَّ ابن أبي ذئبٍ اختصره / ، فقال: فغدا عليها أنيسٌ فرجمها، أو رجمها(3) أنيسٌ؛ لأنَّه كان حاكمًا في ذلك، وعلى رواية اللَّيث يكون رسولًا؛ ليسمع إقرارها وتنفيذ الحكم منه ╕ ، واستُشكِل من حيث كونُه اكتفى في ذلك بشاهدٍ واحدٍ، وأُجيب بأنَّه ليس في الحديث نصٌّ بانفراده بالشَّهادة؛ فيُحتَمل أنَّ غيره شهد عليها، واستُدِلَّ به: على وجوب الإعذار والاكتفاء فيه بشاهدٍ واحدٍ، وأجاب القاضي عياضٌ باحتمال أن يكون ذلك ثبت عند النَّبيِّ صلعم بشهادة هذين الرَّجلين، قال في «الفتح»: والذي تقبل شهادته من الثَّلاثة والد العسيف فقط، وأمَّا العسيف والزَّوج؛ فلا، قال: وغفل بعض من تبع(4) القاضي عياضًا فقال: لا بدَّ من هذا الحَمْلُ، وإلَّا لزم الاكتفاء بشهادة واحدٍ في الإقرار بالزِّنى، ولا قائل به، ويمكن الانفصال عن هذا بأنَّ أنيسًا بُعِث حاكمًا، فاستوفى شروط الحكم، ثمَّ استأذن في رجمها، فأذن له في رجمها، وكيف يُتصوَّر من الصُّورة المذكورة إقامة الشَّهادة عليها من غير تقدُّم دعوى عليها ولا على وكيلها مع حضورها في البلد غير متواريةٍ؟ إلَّا أن يُقال: إنَّها شهادةُ حُسْبَةٍ؟ فيُجاب بأنَّه لم يقع هناك صيغة الشَّهادة المشروطة في ذلك، وقال المهلَّب: فيه حجَّةٌ لمالكٍ في جواز إنفاذ الحاكم(5) رجلًا واحدًا في الإعذار، وفي أن يتَّخذ واحدًا يثق به يكشف له عن حال الشُّهود في السِّرِّ؛ كما يجوز له قبول الفرد فيما طريقه الخبر، لا الشَّهادة، والحكمة في إيراد البخاريِّ التَّرجمة بصيغة الاستفهام _كما نبَّه عليه في «فتح الباري»_: الإشارةُ إلى خلاف محمَّد بن الحسن ممَّا نقله ابن بطَّالٍ عنه؛ حيث قال: لا يجوز للقاضي أن يقول: أقرَّ عندي فلانٌ بكذا _لشيءٍ يقضي به عليه‼ من قتلٍ أو مالٍ أو عتقٍ أو طلاقٍ_ حتَّى يشهد معه على ذلك غيره، وادَّعى أنَّ مثل هذا الحكم الذي في حديث الباب خاصٌّ بالنَّبيِّ صلعم ، قال: وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبدًا عدلان يسمعان من يقرُّ، ويشهدان على ذلك، فينفذ الحكم بشهادتهما.
          والحديث سبق في «الصُّلح» [خ¦2695] و«الأيمان والنُّذور» [خ¦6633] و«المحاربين» [خ¦6835] و«الوكالة» [خ¦2314].


[1] في (ص): «بالأرقِّ».
[2] في (ص): «فجلده».
[3] في (ب) و(س): «فرجمها».
[4] في (د): «تابع».
[5] في (ص): «الحكم».