إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب

          7192- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) الدِّمشقيُّ ثمَّ التِّنِّيسيُّ الكُلاعيُّ الحافظ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) هو ابن أنسٍ الإمام / (عَنْ أَبِي لَيْلَى) بفتح اللَّامين بينهما تحتيَّةٌ ساكنةٌ. (ح) لتحويل السَّند(1) قال المؤلِّف: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”وحدَّثنا“ بواو العطف (إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أويسٍ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام (عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ) بسكون الهاء بعد فتح السِّين، الأنصاريِّ المدنيِّ، ويقال: اسمه عبد الله (عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلَّثة، ابن ساعدة بن عامرٍ الأنصاريِّ الخزرجيِّ المدنيِّ، صحابيٌّ صغيرٌ: (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ) أي: عظمائهم: (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ) أي: ابن زيد بن كعبٍ الحارثيَّ (وَمُحَيِّصَةَ) بضمِّ الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد التَّحتيَّة المكسورة وفتح الصَّاد المهملة، ابن مسعود بن كعبٍ الحارثيَّ (خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ) فقرٍ شديدٍ (أَصَابَهُمْ) ليمتارَا(2) تمرًا (فَأُخْبِرَ) بضمِّ الهمزة وكسر الموحَّدة (مُحَيِّصَةُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ) بن سهلٍ (قُتِلَ وَطُرِحَ) بضمِّ أوَّلهما (فِي فَقِيرٍ) بفتح الفاء وكسر القاف، أي: في حفيرةٍ، قال في «الصِّحاح»: والفقير: حفيرٌ يُحفَر حول الفسيلة إذا غُرِست، تقول منه: فقرت للوَدِيَّة تفقيرًا(3) (أَوْ) قال: طُرِحَ في (عَيْنٍ) بالشَّكِّ من الرَّاوي، وعند محمَّد بن إسحاق: فوُجِد في عينٍ قد كُسِرَت عنقه(4) و(5) طُرِحَ فيها (فَأَتَى) محيِّصة (يَهُودَ فَقَالَ) لهم: (أَنْتُمْ وَاللهِ قَتَلْتُمُوهُ) قاله لقرائن قامت عنده، أو نُقِل إليه بخبرٍ يوجب العلم (قَالُوا) مقابلةً لليمين باليمين: (مَا قَتَلْنَاهُ وَاللهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ) محيِّصة (حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ) ذلك (وَأَقْبَلَ) ولأبي ذرٍّ: ”فأقبل“ _بالفاء بدل الواو_ محيِّصةُ (هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ) بضمِّ الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد التَّحتيَّة مكسورةً بعدها صادٌ مهملةٌ، على(6) رسول الله صلعم (وَهْوَ) أي: حُويِّصة (أَكْبَرُ مِنْهُ) أي: من أخيه محيِّصة (وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ) أخو المقتول (فَذَهَبَ) أي: مُحيِّصة (لِيَتَكَلَّمَ وَهْوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ لِمُحَيِّصَةَ) ولغير أبي ذرٍّ: ”فقال النَّبيُّ صلعم لمحيِّصة“ وفي روايةٍ أخرى: «فذهب عبد الرحمن يتكلَّم» فيجوز أن يكون كلٌّ من عبد الرحمن‼ ومحيِّصة أراد أن(7) يتكلَّم، فقال ╕ : (كَبِّرْ كَبِّرْ) أي: قدِّم الأكبر (يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ) الذي هو أسنُّ (ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ) أخوه، وفي «القسامة» [خ¦6898] فقالوا: يا رسول الله؛ انطلقنا إلى خيبر، فوجدنا أحدنا قتيلًا (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ) بفتح التَّحتيَّة وتخفيف الدَّال المهملة، أي: إمَّا أن يعطي اليهودُ دِيَة صاحبكم (وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِلَيْهِمْ بِهِ) أي: إلى أهل خيبر بالخبر الذي نُقِل إليه (فَكُتِبَ) بضمِّ الكاف في الفرع كأصله، وفي غيرهما بفتحها، قال في «الكواكب»: أي: كتب الحيُّ المسمَّى باليهود، قال: وفيه تكلُّفٌ، وقال في «الفتح»: أي: الكاتب عنهم؛ لأنَّ الذي يباشر الكتابة(8) واحدٌ، قال العينيُّ: وفيه تكلُّفٌ، وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”فكَتَبوا“ أي: اليهود: (مَا قَتَلْنَاهُ) وهذه الرِّواية(9) أوجه، وعلى رواية: «كُتِبَ» بالضَّمِّ يكون «ما قتلناه» في موضع رفعٍ، وزاد في رواية: ”ولا علمنا قاتله“ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ) أخي المقتول: (أَتَحْلِفُونَ) بهمزة الاستفهام (وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟) أي: بدل دم صاحبكم؟ فحُذِف المضاف(10)، أو «صاحبكم» معناه: غريمكم؛ فلا يحتاج إلى تقدير، والجملة فيها معنى التَّعليل؛ لأنَّ المعنى: أتحلفون لتستحقوا؟ وقد جاءتِ الواو بمعنى التَّعليل في قوله تعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ}[الشورى:34] المعنى: ليعفو، واستُشكِل عرض اليمين على الثَّلاثة، وإنَّما هي لأخي المقتول خاصَّةً، وأجاب في «الكواكب» بأنَّه كان معلومًا عندهم الاختصاص به، وإنَّما أُطلِق الخطاب لهم؛ لأنَّه كان لا يعمل شيئًا إلَّا بمشورتهما(11)؛ إذ هو كالولد لهما (قَالُوا) ولأبي ذرٍّ: ”فقالوا“: (لَا) نحلف (قَالَ) صلعم لهم: (أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ) أنَّهم ما قتلوه؟ (قَالُوا): يا رسول الله (لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ) وفي «الأحكام» [خ¦6898] قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، وفي رواية أبي قِلابة [خ¦6899] ما يبالون أن يقتلونا(12) أجمعين ثمَّ يحلفون (فَوَدَاهُ) بتخفيف الدَّال المهملة من غير همزٍ: فأعطى دِيَتَه (رَسُولُ اللهِ صلعم مِنْ عِنْدِهِ مِئَةَ نَاقَةٍ، حَتَّى أُدْخِلَتِ) النُّوق (الدَّارَ / ، قَالَ سَهْلٌ) أي: ابن أبي حَثْمة: (فَرَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ) وفي رواية محمَّد بن إسحاق: فوالله ما أنسى ناقةً بكرةً منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها، وفي «القسامة» [خ¦6898] فوداه مئةً من إبل الصَّدقة، ولا تنافيَ بينهما؛ لاحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصَّدقة، والمال الذي اشترى به من عنده، أو من مال بيت المال المرصد للمصالح؛ لما في ذلك من مصلحة قطع النِّزاع، وإصلاح ذات البين، وجبرًا لخاطرهم، وإلَّا؛ فاستحقاقهم لم يثبت، وقد حكى القاضي عياضٌ عن بعضهم: تجويز صرف‼ الزَّكاة في المصالح العامَّة، وتأوَّل الحديث عليه، واستُشكِل وجه المطابقة بين الحديث والتَّرجمة؛ لأنَّه ليس في الحديث أنَّه صلعم كتب إلى نائبه ولا أمينه، وإنَّما كتب إلى الخصوم أنفسِهم، وأجاب ابن المُنيِّر بأنَّه يؤخذ من مشروعيَّة مكاتبة الخصوم جواز مكاتبة النُّوَّاب في حقِّ غيرهم بطريق الأَولى، والحديث سبق في «القسامة» [خ¦6898].


[1] في غير (د) و(ع): «للتَّحويل».
[2] في (د) و(ع): «ليتماروا».
[3] قوله: «قال في الصِّحاح: والفقير... فقرت للوَدِيَّة تفقيرًا» جاء في (ع) بعد لفظ: «عينٍ» الآتي.
[4] قوله: «بالشَّكِّ من الرَّاوي... عينٍ قد كُسِرَت عنقه» سقط من (ع).
[5] زيد في (ع): «قال».
[6] زيد في (ع): «عهد».
[7] «أن»: سقط من (د).
[8] في (ص) و(ع): «الكاتب».
[9] في (ع): «الزِّيادة»، وليس بصحيحٍ.
[10] زيد في (د): «إليه»، وليس بصحيحٍ.
[11] في (ص): «بمشاورتهما».
[12] في (د) و(س): «يقتلوننا».