إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بعث إلي أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر

          7191- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين، ابن محمَّد بن زيدٍ (أَبُو ثَابِتٍ) مولى عثمان بن عفَّان القرشيُّ المدنيُّ الفقيه، قال(1): (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ) بضمِّ العين في الأوَّل، وفتح المهملة والموحَّدة المشدَّدة وبعد الألف قافٌ، الثَّقفيِّ (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الأنصاريِّ الخزرجيِّ كاتب الوحي ╩ أنَّه (قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ)‼ بتشديد الياء (أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ (لِمَقْتَلِ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي(2): ”مَقْتَلَ“ بإسقاط اللَّام والنَّصب (أَهْلِ اليَمَامَةِ) من اليَمَنِ ، وبها قُتِل مسيلمة، ومن القرَّاء سبعون أو سبع مئةٍ (وَعِنْدَهُ عُمَرُ) بن الخطَّاب ☺ (فَقَالَ) لي (أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ) بالسِّين المهملة السَّاكنة بعدها فوقيَّةٌ فحاءٌ مهملةٌ فراءٌ مشدَّدةٌ: اشتدَّ وكثر (يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ) وسقط للكشميهنيِّ «قد» من قوله: قد استحرَّ (وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ) يشتدَّ (القَتْلُ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ فِي المَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ) قال أبو بكر لزيدٍ: (قُلْتُ) لعمر: (كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلعم ؟ فَقَالَ) لي (عُمَرُ: هُوَ) أي: جمعُه (وَاللهِ خَيْرٌ) واستُشكل التَّعبير بـ «خير» الذي هو «أفعل» التَّفضيل؛ لأنَّه يلزم من فعلهم هذا أن يكون خيرًا من تركه في الزَّمن النَّبويِّ، وأُجيب بأنَّه خيرٌ بالنِّسبة لزمانهم، والتَّرك كان خيرًا في الزَّمن النَّبويِّ؛ لعدم تمام النُّزول واحتمال النَّسخ؛ إذ لو جُمع بين الدَّفَّتين وسارت به الرُّكبان إلى البلدان، ثم نُسِخ؛ لأدى ذلك إلى اختلافٍ عظيمٍ، قال أبو بكرٍ: (فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ(3) صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ) لي (أَبُو بَكْرٍ) ☺ : (وَإِنَّكَ) يا زيدُ، وللكشميهنيِّ: ”إنَّك“ (رَجُلٌ) بإسقاط الواو، وأشار بقوله: (شَابٌّ) إلى حِدَّة نظره وقوَّة ضبطه (عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم ) ذكر له أربع صفاتٍ مقتضيةٍ لخصوصيَّته بذلك؛ كونه شابًّا فيكون أنشط لذلك، وكونه عاقلًا فيكون أوعى له، وكونه لا يُتَّهم فتركنُ النَّفس إليه، وكونه كان كاتب الوحي فيكون أكثر ممارسةً له / ، وقول ابن بطَّالٍ عن المهلَّب: «إنَّه يدلُّ على أنَّ العقل أجلُّ الخصال المحمودة؛ لأنَّه لم يوصف زيدٌ بأكثر من العقل، وجعله سببًا لائتمانه ورفع(4) التُّهمة عنه» تعقَّبه في «الفتح» بأنَّ أبا بكرٍ ذكر عقب الوصف المذكور: وقد(5) كنت تكتب الوحي، فمِن ثَمَّ اكتفى بوصفه بالعقل؛ لأنَّه لو لم تثبت أمانته وكفايته وعقله؛ لما استكتبه النَّبيُّ صلعم الوحي، وإنَّما وصفه بالعقل وعدم الاتِّهام دون ما عداهما(6) إشارةً إلى استمرار ذلك له، وإلَّا؛ فمُجرَّد قوله: «لا نتَّهمك» مع قوله: «عاقلٌ» لا يكفي في ثبوت الأمانة والكفاية، فكم من بارعٍ في العقل والمعرفة وُجِدت منه الخيانة. (فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ: ”واجمعه“ (قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي) أبو بكر (نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ؛ مَا كَانَ) نقله (بِأَثْقَلَ عَلَيَّ) بتشديد الياء (مِمَّا كَلَّفَنِي) به أبو بكرٍ (مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ) أي: للعُمَرين: (كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلعم ؟! قَالَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ : (هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ‼، فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ) بالمثلَّثة بعد المهملة المضمومة، ولأبي ذرٍّ: ”يُحِبُّ“ (مُرَاجَعَتِي) بالموحَّدة بدل المثلَّثة وضمِّ أوَّله (حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي(7) رَأَيَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ) حال كوني (أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ) بضمِّ العين والسِّين المهملتين، آخره موحَّدةٌ: جريد النَّخل العريض المكشوط عنه الخوص المكتوب فيه (وَالرِّقَاعِ) بالرَّاء المكسورة والقاف وبعد الألف(8) عينٌ مهملةٌ: جمع رقعةٍ من جلدٍ أو ورقٍ، وفي روايةٍ أخرى: «وقطع الأديم» (وَاللِّخَافِ) باللَّام المشدَّدة المكسورة والمعجمة وبعد الألف فاءٌ: الحجارة الرَّقيقة أو الخزف؛ كما في هذا الباب (وَصُدُورِ الرِّجَالِ) الذين حفظوه وجمعوه في صدورهم في حياته صلعم كاملًا؛ كأُبيِّ بن كعبٍ ومعاذ بن جبلٍ (فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التوبة: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}[التوبة:128] إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ) بن ثابتٍ بن الفاكِه _بالفاء والكاف المكسورة_ الأنصاريِّ الأوسيِّ الذي جعل النَّبيُّ صلعم شهادته شهادة رجلين (أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ) بن أبي(9) أوسٍ بن يزيد، وهو مشهورٌ بكنيته، الأنصاريِّ النَّجَّاريِّ، بالشَّكِّ، وعند أحمد والتِّرمذيِّ من رواية عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن إبراهيم بن سعدٍ: مع خزيمة بن ثابتٍ، وفي رواية شعيبٍ في آخر «سورة التَّوبة» [خ¦4679] مع خزيمة الأنصاريِّ، وفي «مسند الشَّاميِّين» من طريق أبي اليمان عند الطَّبرانيِّ: خزيمة بن ثابتٍ الأنصاريِّ، ولكنَّ قول من قال: «مع أبي خزيمة» أصحُّ، وقد اختُلِف فيه على الزُّهريِّ؛ فمنْ قائلٍ: مع أبي خزيمة، ومِنْ قائلٍ: مع خُزيمة، ومِن شاكٍّ(10) فيه يقول: خزيمة أو أبي خزيمة، والأرجح أنَّ الذي وُجِدَ معه آخر «سورة التَّوبة» [خ¦4679] أبو خزيمة بالكُنية، والذي معه آية الأحزاب خُزيمة، وعند(11) أبي داود في «كتاب المصاحف» من طريق ابن إسحاق: حدَّثني يحيى بن عبَّاد، عن أبيه عبَّاد بن عبد الله بن الزُّبير قال: أتى الحارث بن خَزَمة(12) إلى عمر بهاتين الآيتين: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}[التوبة:128_129] إلى آخر السُّورة، فقال: أشهد أنِّي سمعتهما(13) من رسول الله صلعم ووعيتهما، فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما، وخَزَمة: قال في «الإصابة»(14): بفتح المعجمة والزَّاي، ابن عديِّ بن أُبيّ غنم(15) بن سالمٍ الخزرجيُّ الأنصاريُّ (فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ) التي كتبوا فيها القرآن، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”فكانت“ «بالفاء» بدل: «الواو»، (عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) ☺ (حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ ╡، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ) ☻ .
          (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين، ابن محمَّد بن زيد مولى عثمان بن عفَّان شيخ البخاريِّ المذكور أوَّل هذا الباب: (اللِّخَافُ) المذكور في الحديث (يَعْنِي) به: (الخَزَفَ)‼ بالخاء والزَّاي المعجَمتين ثم فاءٍ، وفي الحديث: اتِّخاذ الحاكم الكاتبَ، وأن يكون الكاتب عاقلًا فَطِنًا مقبول الشَّهادة، ومراجعة الكاتب للحاكم في الرَّأي ومشاركته له فيه.
          والحديث سبق في «براءة» [خ¦4679]، وغيرها.


[1] «قال»: سقط من (د).
[2] زيد في (ص): «والمُستملي».
[3] في (د): «الله».
[4] في (د): «ودفع».
[5] في (ب): «قد»، وفي (س): «فقد».
[6] في (ص) و(ع): «عداها».
[7] «الذي»: ليس في (د).
[8] في (د): «الفاء»، وهو سبق نظرٍ.
[9] «أبي»: سقط من غير (د).
[10] في (د): «شكَّ».
[11] زيد في (ص): «ابن».
[12] في (د) و(ع): «خزيمة»، وهو تحريفٌ.
[13] في (ص) و(ع): «سمعتها»، وكذا في الموضعين اللَّاحقين بالإفراد في (ع) فقط.
[14] في (د): «المصابيح»، وفي الهامش من نسخةٍ كالمثبت.
[15] كذا في الأصول، وهو موافق لما في «معرفة الصحابة» لأبي نعيم، والذي في «الإصابة»: (بن أُبي بن غنم).