إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الصبر عند أول صدمة

          7154- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”إسحاق بن منصورٍ“ أي: ابن بَهْرام الكوسَج أبو يعقوب المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”حدَّثنا“ (عَبْدُ الصَّمَدِ) بن عبد الوارث قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج قال: (حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ) بضمِّ الموحَّدة وفتح النُّون (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ ، ولأبي ذرٍّ: ”قال: سمعت‼ أنس بن مالكٍ“ (يَقُولُ لاِمْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلَانَةَ؟) لم يقف الحافظ على اسم المرأتين (قَالَتْ: نَعَمْ) أعرفها (قَالَ: فَإِنَّ النَّبِيَّ صلعم مَرَّ بِهَا وَهْيَ) أي: والحال أنَّها (تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ) لها: (اتَّقِي اللهَ) توطئةً لقوله: (وَاصْبِرِي) بكسر الموحَّدة، أي: لا تجزعي وخافي غضب(1) الله واصبِري حتَّى تُثابي، فأجابت (فَقَالَتْ) له: (إِلَيْكَ) أي: تنحَّ وابعدْ (عَنِّي، فَإِنَّكَ خِلْوٌ) بكسر المعجمة وسكون اللَّام: خالٍ (مِنْ مُصِيبَتِي) وعند أبي يَعلى من حديث أبي هريرة أنَّها قالت: يا عبد الله؛ إنِّي أنا الحرَّاء الثَّكلاء، ولو كنتَ مصابًا عذرتني (قَالَ) أنسٌ: (فَجَاوَزَهَا) صلعم (وَمَضَى، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ) هو الفضل بن العبَّاس (فَقَالَ) لها: (مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صلعم ؟ قَالَتْ) له(2): (مَا عَرَفْتُهُ، قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلعم ) زاد مسلمٌ في روايةٍ له: فأخذها مثل الموت، أي: من شدَّة الكرب الذي أصابها لمَّا عرفت أنَّه رسول الله صلعم (قَالَ) أنسٌ: (فَجَاءَتْ) أي: المرأة (إِلَى بَابِهِ) ╕ (فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا) أي: راتبًا، تواضعًا منه صلعم ، فلا يعارِض هذا حديث أبي موسى أنَّه كان بوَّابًا له ╕ لمَّا جلس على القفِّ [خ¦3674] وحديث عمر لمَّا استأذن له الأسود في قصَّة حلفه ألَّا يدخل على نسائه شهرًا [خ¦8191] لأنَّه صلعم كان في خلوة نفسه يتَّخذ البوَّاب، واختُلِف في مشروعيَّة الحجاب للحاكم، فقال إمامنا الشَّافعيُّ: لا ينبغي اتِّخاذه له، وقال آخرون بالجواز، وقال آخرون: يُستحَبُّ؛ لترتيب الخصوم، ومنع المستطيل، ودفع الشِّرِّير، ويُكرَه دوام الاحتجاب، وقد يحرم؛ ففي «أبي داود» و«التِّرمذيِّ» بسندِ جيِّدٍ(3) عن أبي مريم الأسديِّ مرفوعًا: «من ولَّاه الله تعالى من أمر النَّاس شيئًا، فاحتجب عن حاجتهم؛ احتجب الله عن حاجته يوم القيامة»، وقال في «شرح المشكاة»: فائدة قوله: «فلم تجد عنده بوَّابًا»: أنَّه لمَّا قيل لها: إنَّه لرسول الله صلعم ؛ استشعرت خوفًا وهَيبةً في نفسها، فتصوَّرت أنَّه مثل الملوك، له حاجبٌ وبوَّابٌ يمنع النَّاس من الوصول إليه، فوجدتِ الأمر بخلاف ما تصوَّرته (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَاللهِ مَا عَرَفْتُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) لها: (إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”عند أوَّل الصَّدمة“ بالتَّعريف؛ والمعنى: إذا وقع الثَّبات أوَّل شيءٍ يهجم على القلب من مقتضيات / الجزع؛ فهو الصَّبر الكامل الذي يترتَّب عليه الأجر، فالمرء لا يُؤجَر على المصيبة؛ لأنَّها ليست من صنعه، وإنَّما يُؤجَر على حسن تثبُّته(4) وجميل صبره.
          وسبق الحديث في «الجنائز» في «باب زيارة القبور» [خ¦1283].


[1] «غضب»: مثبتٌ من (د) و(س).
[2] «له»: ليس في (د).
[3] في (د): «حسن».
[4] في (ع): «نيَّته».