إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل

          7035- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ) أبو كُرَيب الهمدانيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حمَّاد بن أسامة (عَنْ بُرَيْدٍ) بضم الموحدة مصغَّرًا، ابن عبد الله (عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ) الحارث أو عامر (عَنْ) أبيه (أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريِّ. قال البخاريُّ أو الرَّاوي عن أبي موسى: (أُرَاهُ) بضم الهمزة، أظنُّه (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) وقد رواه مسلمٌ وغيره عن أبي كُرَيب محمَّد بن العلاء بالسَّند المذكور بدون قولهِ: «أُراه»، بل جزموا برفعهِ إلى النَّبيِّ صلعم أنَّه (قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ) بضم الهمزة (مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَـْلِي) بفتح الواو والهاء أو بسكون الهاء، وَهمي(1) (إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ) بفتح التحتية وتخفيف الميم، بلاد الجوِّ بين مكة واليمن، سُمِّيت(2) بجاريةٍ زرقاءَ كانت تبصرُ الرَّاكب من مسيرةِ ثلاثة أيامٍ، فقيل: أبصرُ من زرقاءِ اليمامةِ (أَوْ هَجَرٌ) بفتح الهاء والجيم، غير مصروفٍ، قاعدةُ أرضِ البحرين، أو بلد باليمن، ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابنِ عساكرَ: ”الهجر“ بزيادة «أل» (فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ) الشَّريفة الَّتي هي اسمها في الجاهليَّة (يَثْرِبُ) بالمثلَّثة (وَرَأَيْتُ فِيهَا) في الرُّؤيا (بَقَرًا) بفتح القاف، زاد أحمدُ من حديث جابر: «تُنحرُ»، وبهذه الزِّيادة تقع(3) المطابقة بين الحديث / والتَّرجمة، ويتمُّ تأويل الرُّؤيا (وَاللهُ خَيْرٌ) مبتدأ وخبر، أي: ثواب الله للمقتولين خيرٌ لهم من مَقامهم في الدُّنيا، أو صنيعُ الله خيرٌ لهم، قيل: والأولى أن يُقال: إنَّه من جملة الرُّؤيا، وإنَّها كلمةٌ سمعها عند رؤياه(4) البقر (فَإِذَا هُمُ) أي: البقر (المُؤْمِنُونَ) الَّذين قُتِلوا (يَوْمَ) غزوة (أُحُدٍ) بضم الهمزة والحاء المهملة (وَإِذَا الخَيْرُ مَا) أي: الَّذي (جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللهُ) بمدِّ همزة «آتانا» أي: أعطانا الله (بَعْدَ يَوْمِ) غزوة (بَدْرٍ) من تثبيتِ قلوب المؤمنين؛ لأنَّ النَّاس جمعوا لهم، فزادهُم إيمانًا وتفرَّق العدوُّ منهم هيبةً، أو المراد بالخيرِ: الغنيمة، وبعدُ، أي: بعد الخير، فالثَّوابُ والخيرُ حصلا في يوم بدرٍ‼، قاله الكِرْمانيُّ.
          قال في «الفتح»: وفي هذا السِّياق إشعارٌ بأنَّ قولهُ في الخبر: «والله خيرٌ»، من جملة الرُّؤيا، والَّذي يظهر أنَّ لفظه لم يتحرَّر إيراده، وأنَّ رواية ابن إسحاق هي المحرَّرة، وأنَّه رأى بقرًا ورأى خيرًا، فأوَّل البقرَ على من قُتِل من الصَّحابة يوم أُحد، وأوَّل الخيرَ على ما حصلَ لهم من ثوابِ الصِّدق في القتالِ، والصَّبر على الجهادِ يوم بدرٍ، وما بعده إلى فتح مكَّة، والمراد بالبعديَّة(5) على هذا لا تختصُّ بما بين بدرٍ وأُحد، نبَّه عليه ابن بطَّال، ويحتملُ أن يريد ببدرٍ: بدر الموعد، لا الوقعة المشهورة السَّابقة على أُحد، فإنَّ بدر الموعد كانت بعد أحدٍ ولم يقع فيها قتالٌ، وكان المشركون لمَّا رجعوا من أحدٍ قالوا: موعدُكم العام المقبل بدر، فخرج النَّبيُّ صلعم ومن انتُدبَ معه إلى بدرٍ ولم يحضرِ المشركون، فسُمِّيت بدر الموعد، فأشارَ بالصِّدق إلى أنَّهم صَدَقوا الموعد(6) ولم يُخلفوه، فأثابهُم الله على ذلكَ بما فتحَ عليهم بعد ذلكَ من قُرَيظة وخيبرَ وما بعدهما. انتهى.
          وقولهُ: «بعدَ يومِ بدرٍ»، بنصب دال «بعدَ» وجرِّ ميم «يوم» بإضافة يومٍ إلى بعد(7)، كذا في الفرع وغيره. وقال الكِرْمانيُّ: وفي بعضِها: ”بعدُ“ بالضَّم، أي: بعد أحدٍ، و”يومَ“ نصب على الظَّرفيَّة، وعزا هذه(8) في «المصابيح» لرواية الجمهور. وقال المهلَّبُ: وهذه الرُّؤيا فيها نوعان من التَّأويل فيها الرُّؤيا على حسبِ ما رُئيتْ وهو قولهُ: «أهاجرُ إلى أرضٍ بها نخلٌ»(9)، وكذا هاجر، فجرى(10) على ما رأى، وفيها ضربُ المثل؛ لأنَّه رأى بقرًا تُنْحر فكانت البقر أصحابه، فعبَّر ╕ عن حالة الحرب بالبقر من أجلِ مالها من السِّلاح لشبهِ(11) القرنين بالرُّمحين؛ لأنَّ طبعَ البقرِ المناطحة والدَّفع عن أنفسِها بقرونها، كما يفعلُه رجالُ الحرب، وشبَّه ◙ النَّحر بالقتلِ. انتهى.
          وقال ابنُ أبي طالبٍ(12) العابر: إذا دخلتِ البقرُ المدينة سِمَانًا فهي سنين رخاءٍ، وإن كانت عِجَافًا كانت شِدَادًا.


[1] في (د): «من وهلي».
[2] في (د): «لقبت»، وفي (ص): «لقيت».
[3] في (ب) و(س): «تتم».
[4] في (ع): «سمعت عند رؤيا».
[5] في (ب) و(س): «البعدية».
[6] في (ب) و(س): «الوعد».
[7] في (ب) و(س): «بالإضافة».
[8] في (ع): «عزاها».
[9] في (د): «أرض نخل».
[10] في (ص) و(د): «فخرج».
[11] في (د): «فشبه».
[12] في (ع): «ابن بطال».