إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى

          7010- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ) بضم الجيم وسكون العين المهملة وكسر الفاء، المعروف بالمسنديِّ قال: (حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ) بفتح الحاء والراء المهملتين وكسر الميم، وعُمَارة _بضم العين وتخفيف الميم_ قال: (حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ) السَّدوسيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) أنَّه (قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ) بضم العين وتخفيف الموحدة آخره دال مهملة، البصريُّ التَّابعيُّ الكبير، وليس بصحابيٍّ (كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ) بسكون اللام (فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ) هو: سعدُ بن أبي وقَّاص (وَابْنُ عُمَرَ) عبدُ الله ♥ (فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ) بتخفيف اللام، الإسرائيليُّ (فَقَالُوا) في ابن سلام: (هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) لقوله صلعم الآتي إن شاء الله تعالى آخر الحديث [خ¦7010] «يموتُ عبدُ اللهِ وهو آخذٌ بالعروةِ الوثقى». قال قيسٌ: (فَقُلْتُ لَهُ) لعبد الله بن سلام: (إِنَّهُمْ قَالُوا‼ كَذَا وَكَذَا. قَالَ) ابن سلامٍ _متعجِّبًا من قولهم_: (سُبْحَانَ اللهِ، مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) وفي رواية خَرَشة _عند مسلمٍ_: فقال: اللهُ أعلم بأهل الجنَّة، وأنكرَ(1) عليهم الجزم ولم يُنكر أصل الإخبار عليه بأنَّه من أهلِ الجنَّة، وهذا شأنُ المراقبين الخَائفين المتواضِعين (إِنَّمَا رَأَيْتُ) في المنام (كَأَنَّمَا عَمُودٌ وُضِعَ فِي) وسطِ (رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ) وسبق في «المناقب»: رأيتُ كأنِّي في روضةٍ _ذَكَرَ من سَعَتها وخُضْرتها_ [خ¦3813] (فَنُصِبَ) بضم النون وكسر الصاد المهملة بعدها موحدة، العمود (فِيهَا) في الرَّوضة، وفي رواية ابن عون [خ¦7014] العمودُ كان(2) في وسط الرَّوضة. وفي رواية المُستملي والكُشمِيهنيِّ: ”قَبَضْتُ“ بقاف وموحدة مفتوحتين فضاد ساكنة فتاء متكلِّم (وَفِي رَأْسِهَا) أي: رأس العمود (عُرْوَةٌ) بضم العين وسكون الراء المهملتين، والعمودُ مُذكَّر أنَّثه(3) باعتبار الدِّعامة، وفي رواية ابن عون [خ¦7014] و(4)في أعلى العمودِ عروة. وفي روايتهِ في «المناقب» [خ¦3813] ووسطها عمودٌ من حديدٍ أسفلُه في الأرض وأعلاهُ في السَّماء في أعلاهُ عروةٌ (وَفِي أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ) بكسر الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة. قال ابنُ سيرين: (وَالمِنْصَفُ: الوَصِيفُ) في مسلم: فجاءني مِنْصفٌ. قال ابنُ عون: والمنصفُ الخادمُ. قال ابنُ سلَام: (فَقِيلَ) لي: (ارْقَهْ. فَرَقِيتُ) في العمود _بكسر القاف_ على الأفصحِ، ولأبي ذرٍّ: ”فرقيتُه“ بزيادةِ ضمير المفعول (حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ) وفي رواية خَرَشة _عند مسلمٍ_: فقال(5) لي: اصعدْ فوقَ هذا. قال: قلت: كيف أصعدُ؟ فأخذ بيدي فزجلَ(6) بي _وهو بزاي وجيم، أي: دفعني(7)_، فإذا أنا متعلِّقٌ بالحلقةِ، ثمَّ ضربتُ(8) العمود فخرَّ وبقيت متعلِّقًا بالحلقة حتَّى أصبحتُ (فَقَصَصْتُهَا) أي: الرُّؤيا (عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : يَمُوتُ عَبْدُ اللهِ) أي: ابنُ سلام (وَهْوَ آخِذٌ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى) تأنيثُ الأوثق الأشدِّ الوثيق من الحبلِ الوثيق المحكم، وهو تمثيلٌ للمعلوم بالنَّظر، والاستدلالُ بالمشاهدِ(9) المحسوس حتَّى يتصوَّره السَّامع كأنَّه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقادهُ، والمعنى: فقد عقدَ لنفسه من الدِّين عقدًا وثيقًا لا تحلُّه شبهةٌ، وزادَ في روايةِ ابن عونٍ [خ¦7014] فقال: «تلكَ الرَّوضة روضةُ الإسلام، وذلك العمودُ عمودُ الإسلام، وتلك العروةُ عروة(10) الوثقى، لا تزال متمسِّكًا بالإسلامِ حتَّى تموت»، وعند مسلمٍ من حديث خَرَشة بن الحرِّ قال: قدمتُ المدينةَ فجلستُ إلى أشيخةٍ في مسجدِ النَّبيِّ صلعم ، فجاء شيخٌ يتوكَّأُ على عصًا له، فقال القوم: من سرَّه أن ينظرَ إلى رجلٍ من أهل الجنَّة فلينظرْ إلى هذا، فقام خلفَ ساريةٍ فصلَّى ركعتين، فقمتُ إليه، فقلتُ له: قال بعضُ القوم كذا وكذا. فقال: الجنَّة لله يُدْخلها من يشاءُ، وإنِّي رأيتُ / على عهدِ رسولِ الله صلعم رؤيا، رأيتُ كأنَّ رجلًا‼ أتاني فقال: انطلقْ، فذهبتُ معه فسلكَ بي منهجًا عظيمًا، فعرضت لي طريقٌ عن يسارِي فأردتُ أن أسلكَها، فقال: إنَّك لستَ من أهلها، ثمَّ عرضتْ لي طريقٌ عن يمينِي فسلكتُها حتَّى انتهيتُ إلى جبلٍ زلقٍ، فأخذَ بيدِي فزجَلَ(11) بي، فإذا أنا على ذِرْوته(12) فلم أتقارَّ ولم أتماسَكْ، فإذا عمودُ حديدٍ في ذروتهِ حلقةٌ من ذهبٍ، فأخذَ بيدي فزجَلَ بي، حتَّى أخذتُ بالعروةِ فقال: استمسكْ. فقلتُ: نعم، فضرَبَ العمودَ برجلهِ فاستمسكْتُ بالعروةِ، فقصصتُها على رسولِ الله صلعم فقال: «رأيتَ خيرًا أمَّا المنهجُ العظيمُ فالمحشرُ، وأمَّا الطَّريق الَّتي عرضتْ عن يساركِ فطريقُ أهل النَّار، ولستَ من أهلها، وأمَّا الطَّريق الَّتي عرضتْ عن يمينكَ، فطريقُ أهل الجنَّة، وأمَّا الجبلُ الزَّلق فمنزلُ الشُّهداء، وأمَّا العروة الَّتي استمسكتَ بها فعروةُ الإسلام، فاستمسكْ بها حتَّى تموت». قال: فأنا أرجو أن أكونَ من أهل الجنَّة. قال: فإذا هو عبدُ الله بنُ سلَام. وهكذا رواه النَّسائيُّ وابن ماجه ومسلمٌ في «صحيحه».


[1] في (د): «فأنكر».
[2] في (د): «وكان».
[3] في (ب): «أنثة».
[4] «و»: ليست في (ع) و(ص) و(د).
[5] في (ص): «فقيل».
[6] في (ص): «فزج».
[7] في (د): «رفعني».
[8] في (د): «ضرب».
[9] في (د): «بالمشاهدة».
[10] في (س): «العروة».
[11] في (ع) هنا وفي الموضع التالي: «فزج».
[12] في (د): «ذروة».