إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: خرجنا مع النبي إلى خيبر فقال رجل منهم

          6891- وبه قال: (حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الحنظليُّ البلخيُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ) بضم العين، مولى سلمة بن الأكوع (عَنْ) مولاه (سَلَمَةَ) بن الأكوع أبي مسلم، واسم الأكوع سنان بن عبد الله(1) ☺ أنَّه (قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم إِلَى خَيْبَرَ) قرية كانت لليهودِ على نحو أربع مراحلَ من المدينة (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ) هو: أسيدُ بن حُضير: (أَسْمِعْنَا) بكسر الميم (يَا عَامِرُ) هو: ابنُ سنان، عمُّ سلمة بن الأكوع(2) (مِنْ هُنَيْهَاتِكَ) بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية بعدها هاء فألف ففوقية فكاف، أراجيزكَ، ولابن عساكرَ وأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”من هنيَّاتك“ بتحتية مشددة بدل الهاء الثانية، تصغير هناتك، واحدة: هناة، وتقلبُ الياء هاء كما في الرِّواية الأولى (فَحَدَا) عامرٌ (بِهِمْ) أي: ساقَهم منشدًا‼ للأراجيز / ، يقول: اللَّهمَّ لولا أنتَ ما اهتدينَا، إلى آخر الأبيات.
          (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَنِ السَّائِقُ؟ قَالُوا): هو (عَامِرٌ، فَقَالَ) صلعم : (رَحِمَهُ الله، فَقَالُوا(3): يَا رَسُولَ اللهِ هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ؟) بهمزة مفتوحة وسكون الميم، بحياة عامر قبل إسراعِ الموت له؛ لأنَّه صلعم ما قال مثلَ ذلك لأحدٍ ولا استغفرَ لإنسانٍ قطُّ يخصُّه بالاستغفارِ عند القتال إلَّا استشهد، وفي غزوة خيبر [خ¦4196]: قال رجلٌ من القومِ: وجبتْ يا نبيَّ الله لولا أمتعتنَا به، ووقع في مسلم: أنَّ هذا الرَّجل هو عمر بن الخطَّاب (فَأُصِيبَ) عامر (صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ) تلك، وذلك أنَّ سيفه كان قصيرًا فتناول به يهوديًا ليضربه، فرجع ذبابه فأصابَ ركبتَه، ولم يذكرْ في هذه الطَّريق كيفيَّة قتله على عادته ☼ في ذكر التَّرجمة بالحكم، ويكون قد أوردَ ما يدلُّ على ذلك صريحًا في مكانٍ آخر حرصًا على عدم التِّكرار بغير فائدةٍ، وليبعث الطَّالب على تتبُّع طرقِ الحديث، والاستكثارِ منها ليتمكَّن من الاستنباط (فَقَالَ القَوْمُ) ومنهم أسيدُ بن حُضير، كما عند المؤلِّف في «الأدب» [خ¦6148] (حَبِطَ عَمَلُهُ) بكسر الموحدة، أي: بطل؛ لأنَّه (قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ). قال سلمة: (فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”يا رسول الله“ (فَدَاكَ) بفتح الفاء (أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَقَالَ) صلعم (كَذَبَ مَنْ قَالَها) أي: كلمة: حبط عملهُ (إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ) أجر الجهد في الطَّاعة، وأجر الجهاد في سبيلِ الله، واللام في «لأجرين» للتَّأكيد (اثْنَيْنِ) تأكيدٌ «لأجرين» (إِنَّهُ لَجَاهِدٌ) مرتكبٌ للمشقَّة في الخير (مُجَاهِدٌ) في سبيل الله ╡ (وَأَيُّ قَتْلٍ) بفتح القاف وسكون الفوقية (يَزِيدُهُ عَلَيْهِ) أي: يزيدُ الأجرَ على أجرهِ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”وأيُّ قتيلٍ“ بكسر الفوقية وزيادةِ تحتيَّة ساكنة ”يزيدُ عليه“ بإسقاط الهاء من يزيده، وللأَصيليِّ: ”وأيُّ قتيلٍ يزيدهُ “.
          وهذا الحديث حجَّةٌ للجمهور أنَّ من قتل نفسه لا يجبُ فيه شيءٌ؛ إذ لم ينقلْ أنَّه صلعم أوجبَ في هذه القصَّةِ شيئًا. وقال الكِرْمانيُّ: والظَّاهر أنَّ قوله _أي: في التَّرجمة_: «فلا ديةَ له»، لا وجهَ له، وموضعُه اللَّائق به التَّرجمة السَّابقة، أي: إذا ماتَ في الزِّحام فلا دية له على المزاحمين؛ لظهور أنَّ قاتل نفسهِ لا ديةَ له، ولعلَّه من تصرُّفات النَّقلة عن نسخةِ الأصل.
          وهذا الحديثُ هو التَّاسع عشر من ثلاثيات البخاريِّ، وسبقَ في «المغازي» [خ¦4196] و«الأدب» [خ¦6148] و«المظالم» [خ¦2477] و«الذَّبائح» [خ¦5497] و«الدَّعوات»(4) [خ¦6331]، وأخرجه مسلمٌ وابن ماجه.


[1] في (ع): «عبيد».
[2] «بن الأكوع»: ليست في (د).
[3] في (ب): «قالوا».
[4] «والدعوات»: ليست في (د).