إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قطع النبي يد سارق في مجن ثمنه ثلاثة دراهم

          6798- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ بالجمع (إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) الحزاميُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم، أنسُ بنُ عياض قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ) بضم العين وسكون القاف (عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ☻ ، قَالَ: قَطَعَ النَّبِيُّ صلعم يَدَ سَارِقٍ فِي) سرقةِ (مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) والثَّمن في الأصلِ ما يقابلُ بهِ الشَّيء في عقدِ البيعِ، وله ضابطٌ في الفقهِ مشهورٌ، وليس المرادُ بهِ حقيقته بل ما ذكرَ في الرِّواية الأُخرى [خ¦6795] وهو القيمة، وأطلقَ عليها ثمنًا مجازًا، أو لتساويهمَا في ذلك الوقت، أو في ظنِّ الرَّاوي، أو باعتبار الغَلبة، والدَّراهم جمع: دِرهم _بكسر الدال_ وفيه ثلاثُ لغاتٍ أفصحُها فتح الهاء، والثَّاني كسرها، والثَّالث دِرْهام، بزيادة ألف بعد الهاء. قال الشَّاعر:‼ /
لَوْ أَنَّ عِنْدِي مِئَتَي دِرْهَامِ                     لَجَازَ فِي إِنْفَاقِهَا خَاتَامِي(1)
واختُلف في القدرِ الَّذي يقطعُ فيه(2) السَّارق على مذاهب، فقيل: في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ تافه(3) وغير تافهٍ، ونقل عن ابنِ بنت الشَّافعيِّ، وقيل: في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ إلَّا في التَّافه فلا(4)، وقيل: لا يجبُ إلَّا في أربعين درهمًا أو أربعة دنانير، وقيل: في درهمينِ، وقيل: فيما زاد على درهمين ولم يبلغِ الثَّلاثة، وقيل: في ثلاثةِ دراهم، ويقومُ ما عدَاها بها، وهو رواية عن أحمدَ، وحكاهُ الخطَّابيُّ عن مالكٍ، وقيل مثله إلَّا أنَّه إن كان المسروقُ ذهبًا فنصابُه ربعُ دينار، وإن كانَ غيرهما فإنْ بلغتْ قيمتُه ثلاثةَ دراهم قطعَ به، وإلَّا لم يقطعْ ولو كان نصفَ دينارٍ، وهو قول مالكٍ المعروف عند أصحابه وهو روايةٌ عن أحمدَ، وقيل مثله إلَّا إن كان المسروقُ غيرهما قُطعَ(5) بهِ إذا بلغتْ قيمةُ أحدهمَا، وهو المشهورُ عن(6) أحمد.
          وقيل مثلُه لكن لا يُكتفَى بأحدهمَا إذا كانا غالبين، فلو كانَ أحدهما غالبًا فالمعوَّل عليه، وهو قولُ بعضِ المالكيَّة، وقيل: ربع دينارٍ أو ما بلغَ قيمته من فضَّة أو عرض، وهو مذهبُ الشَّافعيَّة، وقيل: أربعةُ دراهم، نقله القاضِي عياضٌ عن بعض الصَّحابة، وقيل: ثلثُ دينارٍ، وقيل: خمسةُ دراهم، وقيل: عشرةُ دراهم أو ما بلغَ قيمتها من ذهبٍ أو عَرَضٍ وهو قول الحنفيَّة، وقيل: دينار أو ما بلغَ قيمته من فضَّة(7) أو عَرَض، وقيل: ربعُ دينار فصاعدًا من الذَّهب، ويُقطعُ في القليلِ والكثير(8) من الفضَّة والعروض، واحتجَّ له بأنَّ التَّحديد في الذَّهب ثبتَ صريحًا(9) في حديثِ عائشةَ، ولم يثبتِ التَّحديد صريحًا في غيرهِ، فبقي عمومُ الآية على حالهِ، فيقطعُ فيما قلَّ أو كثر إلَّا في التَّافه، وهو موافقٌ للشَّافعيِّ إلَّا في قياسِ أحد النَّقدين على الآخرِ، وأيَّده الشَّافعيُّ بأنَّ الصَّرف يومئذٍ كان موافقًا لذلكَ، واستدلَّ بأنَّ الدِّية على أهلِ الذَّهب ألفَ دينار، وعلى أهل الفضَّة اثنا عشر ألف درهمٍ (تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: قِيمَتُهُ) سبقَ هذا عقبَ حديثِ إسماعيل عن مالكٍ، عن نافعٍ [خ¦6795] وأنَّه ثابتٌ عَقِبه لأبي ذرٍّ(10) وهو ساقطٌ له هنا ثابتٌ لغيره.


[1] في (د): «خاتام».
[2] في (ب) و(س): «به».
[3] في (ع) و(ص) و(د): «تافهًا».
[4] «فلا»: ليست في (د).
[5] في (د): «فقطع».
[6] في (ع) و(د): «عند».
[7] في (ع) و(د): «ذهب».
[8] «والكثير»: ليست في (د).
[9] في (ع): «صحيحًا».
[10] «لأبي ذرّ»: ليست في (د).