إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث

          6747- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ بالجمع (إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن رَاهُوْيَه (قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ) حمَّاد بن أسامةَ: (حَدَّثَكُمْ إِدْرِيسُ) بن يزيد _من الزِّيادة_ ابن عبد الرَّحمن الأوديُّ قال: (حَدَّثَنَا طَلْحَةُ) بن مصرِّف _بكسر الراء بعدها فاء_ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ ، أنَّه قال في قولهِ تعالى: ({وَلِكُلٍّ}) أي: ولكلِّ أحدٍ، أو ولكلِّ مال ({جَعَلْنَا مَوَالِيَ}) ورَّاثًا يَلُونه ويحرزونهُ(1)، فالمضاف إليه محذوفٌ، وحذفَ البخاريُّ تاليهِ، وهو قوله: {مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} ({وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ})(2) المعاقدةُ المحالفةُ، والأيمانُ جمع: يمين، من اليدِ والقسم(3)، وذلك أنَّهم كانوا عند المحالفة يأخذُ بعضهم يدَ بعضٍ على الوفاء والتَّمسُّك بالعهدِ، والمراد: عقد الموالاة وهي مشروعةٌ، والوراثةُ بها ثابتةٌ عند عامَّة الصَّحابة ♥ (قَالَ) أي ابنُ عبَّاسٍ: (كَانَ المُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ الأنصاريُّ المُهَاجِرِيَّ) برفع «الأنصاريّ» على الفاعليَّة، ونصب «المهاجريّ» على المفعولية، وفي «سورة النِّساء» بالعكس [خ¦2292] والمراد‼: بيانُ الوراثةِ بينهما في الجملة قاله في «الكواكب». وقال في «الفتح»: والأولى أن يقرأَ «الأنصاريَّ» بالنَّصب(4) مفعولٌ مقدَّم فتتَّحد الرِّوايتان (دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ) أي: أقاربهِ (لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ صلعم بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}[النساء:33] قَالَ) ابنُ عبَّاس: (نَسَخَتْهَا {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}) كذا في جميع الأصول: نسختها(5) {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:33] والصَّواب _كما قاله ابن بطَّال_: أنَّ المنسوخة {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} والنَّاسخة {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} وكذا وقعَ في «الكفالة» [خ¦2292] والتَّفسيرِ [خ¦4580] من رواية الصَّلت بن محمدٍ، عن أبي أسامة: «فلمَّا نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نُسِخت»(6).
          وقال ابنُ المُنَيِّر في «الحاشية»: الضَّمير في قولهِ: «نسختها» عائدٌ على المؤاخاةِ لا على الآية، والضَّمير في «نسختها» وهو الفاعل المستتر يعودُ على قولهِ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} وقوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} بدل من الضَّمير، وأصلُ الكلام: لمَّا نزلتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نَسَخَتْ {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}. وقال الكِرْمانيُّ: فاعلُ «نسختها» آية {جَعَلْنَا} {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ} منصوبٌ بإضمارِ أعني. انتهى.
          والمرادُ بإيراد الحديث هنا أنَّ قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخ حكم الميراث الَّذي دلَّ عليه {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
          وقال ابنُ الجوزيِّ: مرادُ الحديث المذكور: أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ آخى بين المهاجرين والأنصار، فكانوا يتوارثونَ بتلك الأخوَّة ويرونها داخلةً في قولهِ تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} فلمَّا نزلَ قوله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ}[الأنفال:75] نسخ الميراث بين(7) المتعاقدين، وبقيَ النُّصرةُ والرِّفادةُ(8) وجوازُ الوصيَّةِ لهم.
          والحديث أخرجه النَّسائيُّ وأبو داود جميعًا في «الفرائضِ».


[1] في (س): «ويحوزونه».
[2] في (ع) زيادة: «من».
[3] في (د): «وهو القسم»، وفي (ص): «جمع يمين من القسم».
[4] في (د): «والأولى أن يقرأ بالنصب».
[5] «نسختها»: ليست في (د).
[6] «وكذا وقع في الكفالة والتفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة: فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخت»: ليست في (ع).
[7] في (ع): «من».
[8] «رفَده رَفْدًا» من «باب ضرب» أعطاه أو أعانه، و«الرِّفد» بالكسر: اسمٌ منه «مصباح».