إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث مالك بن أوس: انطلقت حتى أدخل على عمر فأتاه حاجبه

          6728- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) بضم الموحدة مصغَّرًا، ونسبه لجدِّه، واسمُ أبيه عبد الله قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين وفتح القاف، ابن خالدٍ الأيليِّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (مَالِكُ بْنُ أَوْسِ ابْنِ الحَدَثَانِ) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة، قال ابنُ شهابٍ: (وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي(1) مِنْ حَدِيثِهِ) أي: من حديثِ مالك بن أوسٍ (ذَلِكَ) الآتي.
          (فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ) أي: على مالكِ بن أوس حتَّى أسمع منه بلا واسطةٍ (فَسَأَلْتُهُ) عن ذلك الحديث (فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ) بن الخطَّاب ☺ (فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَى) بفتح الياء التحتية وسكون الراء وفتح الفاء بعدها تحتية خطًّا، ولأبي ذرٍّ بالألف بدل التحتية بغير همز في الفرعِ كأصلهِ. وقال العينيُّ _كالكِرْمانيِّ_: بالهمز وغيره. وقال الحافظُ ابن حجرٍ: وبالهمز روايتنا(2) من طريق أبي ذرٍّ.
          (فَقَالَ) له: (هَلْ لَكَ) رغبة (فِي) دخول (عُثْمَانَ) بن عفَّان عليك (وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف (وَالزُّبَيْرِ) بن العوَّام (وَسَعْدٍ؟) بسكون العين، ابن أبي وقَّاصٍ، وزاد النَّسائيُّ على الأربعة: «طلحة بن عبيد الله» (قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ) فدخلوا فسلَّموا وجلسوا (ثُمَّ قَالَ) يرفَى لعمر(3) ☺ : (هَلْ لَكَ) رغبة (فِي عَلِيٍّ) أي: ابن أبي طالبٍ (وَعَبَّاسٍ؟) أي: ابن عبد المطَّلب (قَالَ: نَعَمْ) فأذنَ لهما، فدخلا فسلَّما فجلسا (قَالَ عَبَّاسٌ) لعمر: (يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا) أي: عليٍّ، زاد في «الخمس» [خ¦3094] «وهما يختصمانَ فيما أفاءَ اللهُ على رسولهِ صلعم من بني النَّضير، فقال الرَّهط _عثمان وأصحابه_: يا أميرَ المؤمنين اقضِ بينهمَا وأرحْ أحدَهُما من الآخر» (قَالَ) عمر: (أَنْشُدُكُمْ) بفتح الهمزة وضم الشين(4) المعجمة، أي: أسألكم (بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ) فوق رؤوسكُم بلا عمدٍ (وَالأَرْضُ) على الماءِ تحت أقدامكُم (هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) / بالرَّفع خبر الموصول (يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ‼ صلعم نَفْسَهُ) الزَّكيَّة وكذا غيره؛ لقولهِ في الحديث الآخر: «إنَّا معاشرَ الأنبياءِ لا نُورث» فليس ذلكَ من الخصائصِ، وقيل: إنَّ قولَ عمر: «يريدُ نفسَه» أشار به إلى أنَّ النُّون في قولهِ: «لا نورثُ» للمتكلِّم خاصَّةً لا للجميعِ، وحكى ابنُ عبد البرِّ أنَّ للعلماءِ في ذلك قولين، وأنَّ الأكثر على أنَّ الأنبياءَ لا يُورثون، وأخرج الطَّبريُّ من طريقِ إسماعيلَ بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ في قوله تعالى حكاية عن زكريَّا: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ}[مريم:5] قال: العصبة، وفي قولهِ: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا}[مريم:5] قال: يرثُ مالي، ويرث من آل يعقوب النُّبوَّة، ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه، لكن لم يذكرِ المال، ومن طريق مُبَارك بن فَضَالة، عن الحسن، رفعه مرسلًا: «رَحِم اللهُ أَخِي زكريَّا مَا كانَ عليهِ(5) من يرثُ مالهُ» فيكون ذلك ممَّا خصَّه الله به، ويؤيِّده قول عمر: «يريد نفسه» أي: يريد اختصاصَه بذلك.
          (فَقَالَ الرَّهْطُ) عثمان وأصحابه: (قَدْ قَالَ) ╕ (ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ) عمر ☺ (عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ) ☻ (فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ ذَلِكَ) أي: «لا نورث ما تركنا(6) صدقة»؟ (قَالَا: قَدْ قَالَ) صلعم (ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللهَ) تعالى (قَدْ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ) ولأبي ذرٍّ: ”قد خصَّ لرسولهِ“ ( صلعم فِي هَذَا الفَيْءِ) أي: الغنيمةِ (بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ) حيث خصَّصه كلَّه به، أو حيث حلَّل له الغنيمة ولم تحلَّ لغيره من الأنبياءِ (فَقَالَ ╡: {مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} إلى قولهِ: {قَدِيرٌ}[الحشر:6] فَكَانَتْ(7)) بنو النَّضير وخيبر وفدك (خَالِصَةً) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي(8): ”خاصَّة“ (لِرَسُولِ اللهِ صلعم ) لا حقَّ لأحدٍ فيها غيره (وَاللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”ووالله(9)“ (مَا احْتَازَهَا) بحاء مهملة وزاي مفتوحة، من الحيازةِ، ما جمعها (دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ) ما تفرَّد (بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهُ) أي: الفيء، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”أعطاكموها“ أي: أموالَ الفيء (وَبَثَّهَا) بالموحدة والمثلثة المفتوحتين، فرَّقها (فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا المَالُ) الَّذي تطلبان حصَّتكما منه (فَكَانَ النَّبِيُّ صلعم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا المَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ) بفتح الميم والعين بينهما جيم ساكنة، أي: يصرفه مصرفَ(10) (مَالِ اللهِ) أي: ممَّا هو في جهة(11) مصالحِ المسلمين (فَعَمِلَ(12) بِذَاكَ) بغير لامٍ، ولأبي ذرٍّ: ”فعملَ بذلك“ (رَسُولُ اللهِ صلعم حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ) بحرف الجرِّ (هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا) أي: عثمان وأصحابه: (نَعَمْ) نعلمه (ثُمَّ قَالَ) عمر (لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ) ☻ : (أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ) قال عمر: (فَتَوَفَّى اللهُ) ╡ (نَبِيَّهُ‼ صلعم ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ : (أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَبَضَهَا) أي: الخالصةَ (فَعَمِلَ) فيها (بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلعم ) فيها (ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ) ╡ (أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ وَلِيِّ رَسُولِ اللهِ صلعم ) وسقط لأبي ذرٍّ «وليِّ» الثَّانية (فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا(13) مَا) بغير موحدة (عَمِلَ) فيها (رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ) ☺ (ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ) متَّفقان لا نزاعَ بينكما (وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي) يا عبَّاس (تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ) صلعم (وَأَتَانِي هَذَا) عليٌّ(14) (يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ) فاطمة ♦ (مِنْ أَبِيهَا) صلوات الله وسلامه عليه (فَقُلْتُ) لكما: (إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ) أي: بأن تعملا فيها كمَا عمل رسولُ الله صلعم وأبو بكر (فَتَلْتَمِسَانِ) بحذف أداة الاستفهام، أي: أفتطلبان (مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَاللهِ الَّذِي) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”فوالَّذي“ (بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا) عنها (فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ) بتشديد الياء (فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا) بفتح الهمزة.
          فإن قلت: إذا كان عليٌّ وعبَّاسٌ أخذاها على الشَّرط المذكور فكيف يطلُبان بعد ذلك من عُمر؟ أُجيب بأنَّهما اعتقدا أنَّ عموم قولهِ / : «لا نورث» مخصوصٌ ببعض ما يَخْلُفه، وأمَّا مخاصمتهما فلم تكن في الميراثِ بل طلبًا أن تقسم بينهما؛ ليستقلَّ كلٌّ منهما بالتَّصرُّف فيما(15) يصير إليه، فمنعهما عمر لأنَّ القسمة إنَّما تقع في الأملاكِ، وربَّما تطاول الزَّمان فيُظنّ أنَّه ملكُهما، قالهُ الكِرْمانيُّ.
          وسبق مزيدٌ لذلك في «فرض الخمس» [خ¦3094].


[1] في (ب) و(س) زيادة: «ذكرًا».
[2] في (ع) و(د): «روايتان».
[3] في (ع) و(ص) و(د): «له».
[4] «الشين»: ليست في (د).
[5] في (ع): «عنده». والمثبت موافق للفتح.
[6] في (ب) و(د): «تركناه».
[7] في (د): «وكانت».
[8] «عن الحَمُّويي»: ليست في (د). وفي حواشي اليونينية: هذه رواية أبي ذرّ والحمويي.
[9] في (د): «هالله».
[10] «يصرفه مصرف»: ليست في (ع) و(ص) و(د)، وفي (د) و(ع) بدلها: «مكان».
[11] في (د): «حملة».
[12] في (ع) و(ص): «ففعل».
[13] في (ص) زيادة: «أنا».
[14] «عليّ»: ليست في (د).
[15] في (د): «بما».