انتقاض الاعتراض

القسامة في الجاهلية

          ░27▒ (بابٌ: الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ(1) )
          قوله في حديث عمرو بن ميمون في قصَّة القِرَدة.
          قال ابن التِّين: لعلَّ هؤلاء كانوا مِن نَسْلِ الَّذين مُسِخُوا فبقي فيهم ذلك الحكم.
          وقال ابن عبد البرِّ: إضافة الزِّنا إلى غير المكلَّف وإقامة الحدود في الزِّنا ثَمَّ عند جماعة أهل العلم منكرٌ، ولو صحَّ لكانوا مِن الجنِّ؛ لأنَّ العبادات في الجنِّ والإِنس دون غيرها.
          وقال الكِرْماني: يحتمل أن يُقال: كانوا مِن الإِنس فَمُسِخُوا قردةً وتغيَّروا(2) عن الصُّورة الإِنسانية فقط، أو كانت الصُّورة صورة الزِّنا فالرَّجمُ، ولم يكن ثمَّ تكليفٌ لأحدٍ(3) ولا حدٌّ، / وإنَّما هو ظنُّه الَّذي في الجاهلية مع أنَّ هذه الحكاية لم توجد في بعض نسخ البخاري.
          وقال الحًميدي: هذا الحديث وقع في بعض نسخ البخاري(4)، وأنَّ أبا مسعود وحده ذكره في «الأطراف».
          قال: ولعلَّه مِن الأحاديث الْمُقْحَمةِ(5) في «كتاب البخاري».
          قال (ح): كلُّ ما ذكره هؤلاء فيه نظر، أمَّا ابن التين فجوابه: ثبت في «صحيح مسلم» مِن حديث ابن مسعود مرفوعًا: «إِنَّ اللَّه لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا».
          وأمَّا ابن عبد البرِّ فجوابه: احتمل أن يكون صوت(6) الواقعة كالزنا والرَّجم(7)، ولا يلزم أن يكون(8) ذلك زنًا حقيقة ولا حدًّا، وإنَّما أُطلق عليه لشبهه به(9)، ولا يستلزم(10) تكليف غير الجنِّ والإِنس.
          وأمَّا الحُميدي فجوابه: أنَّ مَن أثبت ذلك مقدَّمٌ على مَن حذفه، ولا يلزم مِن سقوط هذه القصَّة مِن بعض النسخ سقوطها مِن الأصل، كما لا يلزم سقوطها مِن رواية النَّسَفِيِّ سقوطها مِن رواية الفِرَبْرِي، ولا سيمَّا وقد بيَّنته رواية أبي ذرٍّ الهَرَويِّ، وهو أحفظ مِن اتَّصلت رواية البخاري مِن طريقه عن شيوخه الثَّلاثة مع جلالتهم، واتِّصاف الْمُسْتَمْلِيِّ / ومنهم(11) بِسَعَة الحفظ، وكفى بإيراد الإِسماعيلي وأبي نُعَيْم له(12) في «مُسْتَخْرَجَيْهِمَا» وأبي مسعودٍ في «أطرافه» إثباتًا له.
          وأمَّا تجويزه أن يُزاد في «صحيح البخاري» ما ليس فيه، فهذا ينافي ما عليه العلماء مِن الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه إلا مواضع يسيرة انتقدها أهل الحفظ كما قرَّره ابن الصلاح، وتبعه الأئمَّة بعده فيه، وتلك المواضع تتعلَّق بالطَّعن في بعض رجاله أو بدعوى الانقطاع في بعض أسانيده، لا فيما نحن فيه مِن دعوى إدخال ما ليس مِن كتابه فيه، ولا سيَّما الحديث الكامل، وهذا الَّذي قاله يتطرَّق منه عدم الوثوق بجميع ما في «الصَّحيح»؛ لأنَّه إذا جاز في واحدٍ لا بعينه جاز في كلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، ولا يبقى لأحدٍ وثوقٌ بما في الكتاب وعمل الخلفاء قاطبة على ذلك.انتهى.
          قال (ع):(13) على عادته متعقِّبًا جميع ذلك بما يضحك منه أدنى مَن له فهم، ولولا أنَّي شرطت في هذا التَّصنيف أن أذكر جميع...(14) أصابه لما ضيَّعتُ الوقت بكتابة ما لا يجدي بل يضرُّ مَن تعمَّده ودفع في الحقِّ بالصَّدر إظهارًا للتَّعصُّب / وعدم مبالاة بمؤاخذته بما لا يصدر منه مِن تعمَّد الباطل.
          قال في جواب (ح)(15) لكلام ابن المُنيِّر: ثبت في «صحيح مسلم» أنَّ النَّبيَّ صلعم لما أتى بالضَّبِّ، لعلَّه مِن القرود(16) التي مُسِخَتْ.
          قلت: وهذا بعينه أورده (ح) بأنَّ ذلك كان قبل إعلام اللَّه تعالى لنبيِّه(17) أنَّ الممسوخ لا نَسلَ(18) له.
          قال (ع):(19) هذا فيه نظرٌ؛ لعدم الدَّليل عليه.
          قلت: الدليل عليه أنَّ الحديث عند مسلم، فالذي قلته طريق الجمع بينهما عند مَن ينصف ويفهم.
          وأجاب (ع)(20) عن الحُميدي بأن وقوف الحُميدي على الأصول أكثر وأَصَحُّ مِن وقوف (ح)(21) ؛ لأنَّه جمع بين «الصَّحيحين»، ومثله أدرى بحالهما، ولو كان في أصل البُخاري لم يجزم بنفيه عن الأصول.
          قلت: ومقابله أنَّه لو لم يكن موجودًا ما توارد الحفاظ في نقله الكتاب قبل الحميدي على روايته، وتجويز السهو على واحد أولى من تجويزه على جماعة، والْمُثْبَتُ مُقَدَّمٌ على النَّافي، ولا يلزم مِن سقوطه من رواية النسفي عدم ثبوته في رواية الفَرَبْرِي مع أن رواية الفَرَبْرِي متَّصلة الثبوت عن جماعة عنه بخلاف رواية النَّسفي، فاعترض (ع)(22) على قوله: أن العلماء اتفقوا على القطع بنسبة جميع(23) ما فيه إليه، / بأنَّ مِن العلماء مِن تعرُّض إلى بعض رجاله لعدم الوثوق به، ولكونه مِن أهل الأهواء.
          قلت: لم يتوارد(24) على محل واحد واللَّه المستعان.


[1] قوله : «الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ » غير واضحة في (د).
[2] في (س): «يغيروا».
[3] قوله : «لأحد» ليس في (د) و(س) و(ظ).
[4] قوله: «البخاري» ليس في (س).
[5] في (س): «المعجمة».
[6] في (د) و(س) و(ظ): «صورة ».
[7] قوله: ((والرجم)) زيادة من (د) و(س) و(ظ).
[8] قوله: «أن يكون» ليس في (س).
[9] قوله: «به» ليس في (س).
[10] في (س): «ولا يلزم».
[11] قوله: ((ومنهم)) زيادة من (د) و(س) و(ظ)، لكن في (س) و(ظ) بلا واو.
[12] قوله: ((له)) زيادة من (د) و(س) و(ظ).
[13] قوله : «(ع)» غير واضحة في (د).
[14] يوجد بياض في الأصول عدا (س) إذ لا يوجد فاصل بين الكلام.
[15] قوله : «(ح)» بياض في (د).
[16] قوله: «القرود» ليس في (س).
[17] في (س): «بنسبية».
[18] في (س): «لا ينسب».
[19] قوله : «(ع)» غير واضحة في (د).
[20] قوله : «(ع)» غير واضحة في (د).
[21] قوله : «(ح)» غير واضحة في (د).
[22] قوله: (ع) زيادة من (س).
[23] قوله: ((جميع)) زيادة من (س).
[24] في (ظ): «يتواردا».