أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

          482/ 2236- قال أبو عبد الله: حدَّثنا قُتَيْبَةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَباحٍ:
          عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ (1) صلعم يَقُولُ عامَ الفَتْحِ، وهو بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ والخِنْزِيرِ والمَيْتَةِ والأَصْنامِ». فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّه يُطْلَىَ بها السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بها الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ (2) بها النَّاسُ؟ فَقالَ: «لا، هو حَرامٌ». ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صلعم عِنْدَ ذَلِكَ: «قاتَلَ اللهُ اليَهُودَ؛ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عليهم (3) الشَّحْمَ جَمَلُوهُ (4)، ثُمَّ باعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ».
          بيعُ الخمرِ فاسدٌ بالإجماع، وفي تحريم بيعها تحريم ثَمنِها، فلو أَرَاقَ مُسلمٌ خَمْرَ المسلم أو الذِّمِّيِّ (5) لم يلزمه لها قيمة.
          والميتةُ مُحرَّمَةُ العَينِ، فَبيعُها (6) بَاطلٌ، والنَّهي (7) يَعُمُّ جميع أجزائها، عَظمَها وقرنها وصوفها وجِلدها قبلَ أن يُدبغَ، سواءٌ كان ذلك من مأكولِ اللَّحم أو غير مأكولِهِ (8)، وفيه تحريمُ بيع عِظَام الفيل، وشَعر الخنزيرِ (9).
          وأمَّا بيعُ الأصنامِ فإنَّه (10) فاسدٌ ما دامت صُوراً مُصوَّرةً، فإذا طُمست صورها ومُحقَت فإنَّ بيعَ جواهرها (11) أو أصولها المعمولة منها فِضَّة كانت أو حديداً أو خشباً أو مَدَراً جائزٌ.
          ويدخلُ في النَّهي عنه كُلُّ صُورةٍ مُصوَّرةٍ في رقٍّ أو قِرطاسٍ أو نحوهما (12) مِمَّا يكون المقصودُ / منه الصُّورة، وكانَ الظَّرفُ تبعاً له، فأمَّا الصُّورُ المُصوَّرة في الأواني والقِصاعِ فإنَّها تبعٌ لتلك الظُّروف، بمنزلةِ الصُّور المصوَّرة على جُدرِ البيوت، وفي السُّقُوف، وفي الأنماطِ (13) والسُّتُورِ، فالبيع فيها لا يفسدُ (14)، وفي معناها الدَّراهم الشَّاهِيَّةُ (15) التي (16) فيها الصُّور والتماثيل.
          وفيه دليلٌ على أنَّ كلَّ شيءٍ (17) لا يُنتفع به، ولا يُستعمَلُ إلَّا في اللَّهو، كالطنابير، والمزامير، والطُّبول التي تُتَّخذُ لِلَّهوِ، وَمَا أشبهها (18) من المُحرَّم لا يجوز بيعه (19)، فإذا حُلَّتْ عنها أوتارها، وغُيِّرت عن هَيئاتها، فكان مِمَّا يُنتفع بها في المُباح على حَالٍ جازَ بيعها (20).
          وأمَّا قوله في شحوم الميتة: (لاَ، هو حرامٌ) فإنَّ النَّهي والتحريمَ (21) إنَّما ينصرفان في ذلك إلى البيع دُون الاستِمتَاع (22) بها.
          وعلى هذا قولُ (23) أكثر العلماء، فلو وقعت فأرةٌ (24) في جَرَّةٍ من دهن، أو خابية (25) من سمن أو زيت لم يجز بيعه، وجاز الانتفاع به في تدهين جلدٍ، واستصباحٍ ونحوه، ويتوقَّى أن يمسَّ الأيدي والثياب (26)، فإن مَسَّ شيئاً منها لم يجز أن يُصلِّي (27) فيه حتَّى يُغسل وينظَّفَ.
          ولا أعلم خِلافاً (28) في أنَّ من ماتت (29) له دابَّة كان له أن يطعم لحمها كِلابه وبُزَاته (30) إن شاء ذلك، فكذلك الدُّهن النَّجس.


[1] في الفروع: (النبي).
[2] في (ط): (ويستسبح).
[3] في الفروع: (يعني).
[4] في (أ) (م): (الشحوم) وفي (م): (جملوها).
[5] في (ط) والفروع: (خمراً لمسلم أو لذمي).
[6] في الفروع: (فالبيع فيها).
[7] في الفروع: (وهو).
[8] في (ط) و(م): (مأكول).
[9] في الفروع: (تحريم عظام الفيل... وبيعهما).
[10] في الفروع: (فهو).
[11] تصحفت في الأصل إلى: (جراها)، والمثبت من (ط)، وفي الفروع: (جاز بيع جواهرها).
[12] في الفروع: (أو غيره).
[13] في (ط): (والأنماط) دون حرف الجر.
[14] في الفروع: (فالبيع جائز).
[15] في (ط): (الشامنية) بلا تنقيط.
[16] في الفروع: (وكذلك بيع الدور التي) وفي (م): (المبني) بدل التي.
[17] في الفروع: (كل ما).
[18] في الفروع: (ونحوها).
[19] قوله: (لا يجوز بيعه) زيادة من الفروع.
[20] في الفروع: (فبيعه جائز).
[21] في الفروع: (لكن نهيه وتحريمه).
[22] في الفروع: (الانتفاع).
[23] في الفروع: (وهو قول).
[24] (فأرة) سقطت من (ط).
[25] (الخابية): الجرة الكبيرة و الجمع: خوابي (التاج : خبا).
[26] في الفروع: (بعد أن يتوقاه بأن يمسه باليد أو الثوب).
[27] في الفروع: (فإن مسه لم يصل).
[28] في الفروع: (ولا خلاف).
[29] في (ف): (أن ماتت) بدون (من).
[30] (البُزَاة): جمع البازي، ضرب من الصقور التي تصيد (اللسان : بزا)