أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث ابن عباس: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا

          1154/ 7046- قال أبو عبد الله: حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ (1) : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ (2) صلعم فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ من الْعَسَلَ والسَّمْنَ، وأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ (3) أَخَذْتَ (4) بِهِ (5) فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ (6)، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ (7)، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ (8) فَانْقَطَعَ، ثُمَّ وُصِلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ (9)، بِأَبِي أَنْتَ (10)، وَاللهِ (11) لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَنَّها. فَقَالَ النَّبِيُّ (12) صلعم : «اعْبُرْ». قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ، حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ (13)، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ / فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ (14) اللهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ، فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذ به رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ به رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ (15) يُوَصَّلُ لَهُ (16) فَيَعْلُو بِهِ، فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «أَصَبْتَ بَعْضاً، وَأَخْطَأْتَ بَعْضاً». قَالَ: فَوَاللهِ يا رسول الله (17) لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ، قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ».
          (الظَّلَّة): السَّحابَة، وكُلُّ ما أظلَّكَ من فَوْقِكَ من سَقِيفَةٍ ونحوها فهو ظُلَّة.
          وقوله (يَنْطِفُ) يعني: يَقْطُر.
          وقوله: (يَتَكَفَّفون) يعني: أنَّهم يأخذون منه بِأَكُفِّهم.
          و (السَّبَبُ): الحبلُ.
          و (الوَاصِلُ): بمعنى المَوْصُول.
          واخْتَلَفَ الناسُ في تأويلِ قوله صلعم : (أَصَبْتَ بَعْضاً وأخْطَأْتَ بَعْضاً) فقال بَعْضُهم: إنَّما صَوَّبَه في تأويل الرُّؤْيَا، وخَطَّأهُ في الافْتِيَات بالتَّعْبِير بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللهِ (18) صلعم.
          وقال بعضهم: مَوْضِعُ الخطأ في (19) ذلك أنَّ المذكُورَ في الرُّؤيَا شيئان، وهُما: السَّمْن والعَسَل، فَعَبَرَهما (20) على شيء واحدٍ، وهو القرآن، وكان حَقُّه (21) أن يَعْبُرَ كُلَّ واحدٍ منهما على انفراده، وأنَّهما (22) الكتابُ والسُّنَّة؛ لأنَّها (23) بَيَانُ الكتابِ الذي أُنْزِلَ عليه. وبلغني هذا القول، أو قريبٌ من معناه عن أبي جَعْفر الطَّحَاوي (24).
          وفي قوله: (لا تُقْسِمْ) دَليلٌ على أنَّ أَمْرَه صلعم بِإبْرَارِ المُقْسِم (25) خَاصُّ المُرَادِ، وإنَّما إبْرَارُه يَلْزَم (26) فيما يَجُوزُ الاطِّلاعُ عليه، دُونَ مَا لاَ يَجُوز، أَلاَ تَرَاهُ مَنَعَه العِلْمَ فيما اتَّصَل بأمْرِ الغَيْب الذي لم يَجُزِ الاطِّلاعُ عليه.


[1] زاد في (أ): (بن مسعود).
[2] في (أ): (النبي).
[3] في (م): (وأرى).
[4] (أخذت) سقطت من (ف).
[5] في (ر): (منه).
[6] (به) سقطت من (أ).
[7] (به) سقطت من (أ).
[8] قوله: (فعلا به ثم أخذ به رجل آخر) سقط من (ر) و(ف) وزاد في (م):(0فعلى به).
[9] (يا رسول الله) سقطت من (م).
[10] (بأبي أنت) سقطت من (أ).
[11] (والله) ليست في (ر) و(ف) و(م).
[12] في (م): (رسول الله).
[13] في (أ): (حلاوته ولبنه تنطف) (ر) و(ف) و(م): (حلاوته ولبنه) مع إسقاط كلمة (تنطف).
[14] في (ر) و(ف): (فيعينك).
[15] في (ف): (لم).
[16] في (ر) و(ف): (به).
[17] (يا رسول الله) سقطت من (م).
[18] في (أ): (بحضرته).
[19] في (ر) و(ف) و(م): (من).
[20] في (أ): (يعبرهما).
[21] (وكان حقه) سقطت من (ر) و(ف).
[22] في الفروع: (وإنما هما).
[23] في (ف): (لأنهما).
[24] في (ر): (الصحاوي) وانظر: شرح معاني الآثار للطَّحاوي (269-272)
[25] انظر: البخاري رقم (1239)، عن البراء بن عازب.
[26] في الفروع: (يلزم إبراره).