أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سورًا فحي هلًا بكم

          808/ 4102- قال أبو عبد الله: حدَّثني عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قال: حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ، قال: أخبرنا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيانَ، قال: أخبَرَنا سَعِيدُ بْنُ مِينا، قال:
          سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ☺، قالَ: لَمَّا حُفِرَ (1) الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ (2) صلعم خَمَصاً، فانْكَفَيتُ إلى امْرَأَتِي، فقلتُ: هل عندك شيء، فإنَّي رأيتُ رسولَ الله صلعم خمصاً شديداً. (3) فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِراباً فِيهِ صاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنا بُهَيْمَةٌ داجِنٌ فَذَبَحْتُها، وَطَحَنَت، فَفَرَغَتْ إلىَ عَنَاقي (4)، فَقَطَّعْتُها فِي بُرْمَتِها، ثُمَّ وَلَّيْتُ (5) إلىَ رَسُولِ اللهِ صلعم، فَسارَرْتُهُ (6)، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، ذَبَحْنا بُهَيْمَةً لَنا، وَطَحَنت صاعاً مِنْ شَعِيرٍ كانَ عِنْدَنا، فَتَعالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ من قومك (7). فقام النَّبِيُّ (8) صلعم فَقالَ: «يا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جابِراً (9) قَدْ صَنَعَ (10) سُؤْراً، فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ». / وذكر الحديث، قال جابر فَبَسَقَ (11) النَّبيُّ صلعم فيه وَبارَكَ، وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللهِ لأَكَلُوا حَتَّىَ تَرَكُوهُ وانْحَرَفُوا (12)، وَإِنَّ بُرْمَتَنا لَتَغِطُّ، وَإِنَّ عَجِينَنا (13) لَيُخْبَزُ كَما هُوَ.
          (الخَمَصُ (14)): ضُمُورُ البَطْنِ من الجُوع.
          و (انكفيتُ): انْقلَبْتُ (15). وأصلهُ الهمزُ.
          و (البُهيمةُ): تصغيرُ البُهْمَةِ، وهي الصغيرةُ من أولادِ (16) الغنم، وقد ذَكَرَ أنَّها كانت عَنَاقاً.
          و (الدَّاجِنُ) من الغنمِ: مَا يُرَبَّى في البيوت ولا يُخْرَجُ إلى المرعى. والدَّجْنُ: الإقامَة بالمكان.
          و (السُّؤْرُ): بلسان الفُرْس: العُرْسُ.
          وقوله: (فحيَّ هَلاً): كلمةُ استدعاءٍ، وفيها حَثٌّ واسْتعجالٌ.
          وقوله: (لَتَغِطُّ (17)): يعني أنَّها ممتلئةٌ (18) تفورُ، فَيُسْمَعُ لها غطِيطٌ.
          وكان نبيُّ اللهِ صلعم قد عَوَّدَه اللهُ تعالى أن يُبَارِكَ له في الطعامِ القليل فيَكْثُر، فجعلَ أكثرَ أسبابِ مُعجزاتهِ ما يتجلَّى للبصائر على التَّدَبُّر والتَّأمُّلِ (19) دُونَ ما يَتكَشَّفُ للأبصارِ ويتراءَى للعِيان على ما جَرَتْ به عَادَةُ الأمم المتقدِّمَة التي سَبَقَ لها من الله تعالى القَضَاءُ لها بالإهلاكِ (20)، كقومِ صالح حين أُخْرِجَتْ لهم الناقَةُ من الصخرةِ، ونحوها من الآيات؛ رِفْقاً من الله تعالى بهذه الأمَّة، وحِفْظاً لنبيِّه فيها، وذلك لِمَا (21) أُعْطوهُ من وَفَارةِ العُقول، وزِيادَةِ الأفهام، فهي الأمَّةُ المَرْحُوَمة، واللهُ بعبادهِ رَؤُوفٌ رَحيمٌ.


[1] في الأصل: (يحفر) والمثبت من الفروع.
[2] في (أ) و(م): (النبي).
[3] قوله: (فقلت هل.... شديداً) زيادة من (ر) و(ف).
[4] في (أ): (فراغي).
[5] في الأصل: (وليتها) والمثبت من الفروع.
[6] في (ر): (فشاورته).
[7] (من قومك) سقطت من (ر) و(ف).
[8] في (م): (رسول لله).
[9] (إن جابراً) سقطت من (ر).
[10] (قد صنع) سقكت من (م).
[11] في الفروع: (فبصق).
[12] في (ف): (وانحرفوه).
[13] في (ر) و(ف): (لعجينتنا).
[14] في (م): (الخموص).
[15] في الفروع: (يعني انقلبت).
[16] في (ر) و(ف): (أبناء).
[17] في (ر): (إنها لتغط).
[18] في (أ): (مملوءة).
[19] في الفروع: (التأمل والتدبر).
[20] في الفروع: (بالهلاك).
[21] في (ر) (ف): (بما).