أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري

          604/ 2780- قال أبو عبد الله: / قالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ (1) : حدَّثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قال: حدَّثنا ابْنُ أَبِي زَائدَةَ، عن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي (2) القَاسِمِ، عن عَبْدِ المَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن أَبِيهِ:
          عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بها مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا (3) بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَاماً مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصاً من ذَهَبٍ (4)، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلعم، ثُمَّ وُجِدَ الجَامُ بِمَكَّةَ، فقالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ. فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا. وَإِنَّ الجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ (5) هَذِهِ الآيَةُ: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة:106].
          قلت (6) : قد اختلف الناس في (7) هذه الآية، وهل هي ثابتةٌ أو منسوخةٌ، واختلفَ قولُ مَنْ أثبتَها في بَعضِ مَعَانيها وأحكامها وبيان المُرادِ فيها.
          فمِمَّن (8) ذَهَبَ إلى أنَّ الآية ثابتةٌ غير مَنسوخةٍ عائشة، والحَسَنُ البَصريُّ، ورويَ ذلك عن إبراهيم النَّخعيِّ، وهو قولُ الأوزاعيِّ.
          وقال أحمد بن حنبل: لا تُقبلُ شهادة أهل الكتاب إلَّا في مثل هذه المَواضِعِ (9) لِلضَّرُورة (10).
          ويقال: إنَّ المائدةَ آخر ما نَزَل من القرآن، لم يُنسخ منها شيءٌ.
          وقال مالك (11) والشَّافعيُّ (12) : شهادةُ الذَّمِّيّ لا تُقبلُ على مسلم بوجهٍ (13)، ولا على كَافرٍ. ويَتَأوَّلُ (14) مَنْ ذَهَبَ إلى هذا القول الآية (15) على معنى الوصَّية دُون الشَّهادةِ؛ لأنَّ نُزولَ الآية إنَّما كان في الوصيَّة، و كان تميم وصاحبه (16) وصِيَّيْنِ لا شَاهدين، و الشُّهُودُ لا يُحلَّفُون، وقد حَلَّفَهما رسول الله صلعم، وإنَّما عَبَّرَ بالشهادة عن الأمانة التي تَحَمَّلاها في قبول الوَصِيَّة، و هو (17) معنى قوله: {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ} (18) [المائدة:106]، أي: أمانةَ اللهِ.
          قالوا: ومعنى قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106]، أي: من غير قبيلتكم، وذلك أنَّ الغالبَ في الوصيَّة أنَّ المُوصيَ يُشهِدُ أقرباءَهُ وعشيرته، دُونَ الأجانب والأباعد.
          واحتَّجُّوا لهذا (19) التأويل بقوله (20) : {فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [المائدة:106]. / قالوا (21) : فقوله: {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}يدلُّ (22) على أنَّ المُرادَ بقوله: {مِّنكُمْ} أي: من ذَوي (23) قَرَاباتكم.
          واحتجُّوا لذلك (24) أيضاً بقوله: {ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة:106] وأهلُ الذِّمَّةِ كُفارٌ ليس فيهم عَدلٌ (25).
          وقال أهلُ العربية والنَّحوِ (26) : قوله: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}.
          تقديره: شَهادةُ هذه الحَالِ شَهَادَةُ اثنين، فَتُحذَفُ شَهَادةُ ويقومُ اثنان مَقَامَهُمَا.
          وفي الحديث (27) حُجَّةُ لِرَدِّ اليمينِ على المُدَّعي إذا نَكَلَ المُدَّعَى عليه (28).


[1] أقحم في الأصل و(ط): (ابن يحيى)، وليست في الفروع وحذفتها لأنها وهم.
[2] (أبي) سقطت من (أ) و(م).
[3] في (ف): (قدمنا).
[4] في الأصل و(أ): (بذهب) والمثبت من (ط) (ف) و(م).
[5] في (م): (أنزلت).
[6] في (ف): (قال).
[7] في الأصل (من) والمثبت من (ط).
[8] في (ف): (فمن).
[9] في (ط): (هذه الموضع) وفي (أ) و(م): (هذا الموضع).
[10] انظر: المغني لابن قدامة (10/ 164).
[11] انظر: المدونة الكبرى (4/ 81).
[12] انظر: الأم (6/ 246).
[13] في الفروع: (بوجه على مسلم).
[14] في (ف): (وتأول).
[15] في الفروع: (الآية من ذهب إلى هذا القول).
[16] زاد في الفروع: (عدي).
[17] في (أ) و(م): (وهي).
[18] تحرفت الآية في الأصل: (لا تكتموا الشهادة الله) وفي (ط): (ولا نكتم الشهادة الله) وجاءت في الفروع سالمة من التحريف.
[19] في (ف) و(م): (بهذا).
[20] في (أ): (قوله).
[21] (قالوا) سقطت من (ط).
[22] في (أ): (فدل قوله: ولو كان ذا قربى).
[23] في (م): (من ذي).
[24] في (ف): (بذلك).
[25] انظر: تفسير القرطبي░6/ 346-349▒، والدر المصون ░4/ 460▒.
[26] الدر المصون ░4/ 454-460▒.
[27] في (م): (وفي الآية).
[28] قوله: (إذا نكل المدعى عليه) سقط من (ط).