أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: لا تشتر ولا تعد في صدقتك

          577/ 2636- قال أبو عبد الله: حدَّثنا الْحُمَيْدِيُّ، قال: حدَّثنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، فقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
          قالَ عُمَرُ: حَمَلْتُ علىَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم، فَقَالَ: «لَا تَشْتَرِه، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ».
          قلتُ (1) : قد يَحتمِلُ أن يكونَ المعنى في ذلك أنَّه شَيءٌ أخرجَه مِنْ مِلْكِهِ إلى الله ╡، وتَخَلَّى عنه لوَجْهِ اللهِ، وكان في نَفْسِهِ منه شيءٌ، وكانت تُنَازِعُهُ إليه، فلمَّا وَجَدَهُ يُبَاعُ أَحَبَّ مُعَاوَدتَهُ، فأشْفَقَ رسول الله (2) صلعم أنْ تَفْسُدَ نِيِّتُه، ويَحْبَطَ أَجْرُهُ، فنهاهُ عن ذلك، وشَبَّهَهُ بالعَوْدِ في الصَّدَقَةِ، وإنْ كان ذلك بالثَمَنِ؛ للمعنى القائم في نفسه من الرَّغْبَةِ الدَّاعِيَةِ إليه.
          وهذا كَتَحرْيمِهِ على المهاجريِنَ مُعَاوَدَةَ دُورِهم بمكَّةَ، وحَظْرِهِ سُكْنَاها عند القُدْرَة عليها أَيَّام الفَتْح، وقد دَعَا صلعم فقال: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ مَنَايَانَا بمكَّةَ» (3). وقال في حديث سعد بن أبي وَقَّاص حين اعْتَلَّ بمكَّةَ، وخاف أن يموتَ بـها: «إنَّكَ لَعَلَّكَ تبقى حتَّى يَنْفَعَ اللهُ بكَ أقواماً، ويَضُرَّ بكَ آخرين، لكنَّ البائسَ سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ». يَرْثي له (4) أنْ مَاتَ بمكَّةَ، وقال: «اللَّهُمَّ أَتمَّ لأصْحَابي هِجْرَتـهم، ولا تَجْعَلْهُمْ مُرْتَدِّين على أعقابـهم» (5).
          قلت (6) : وقد يَخْطُرُ بالبالِ أن ليس / من هذا الباب ما يَشْتَرِيه الرجلُ بالثمن من غَلَّةِ أرضٍ قد كان (7) تَصَدَّقَ بـها؛ لأنَّ الذي يشتريه منها غيرُ العَيْنِ المُتَصَدَّقِ بـها، والمعنى القائمُ في النفس من النِّزَاعِ إلى أصلها مَعْدُومٌ فيها، وإنَّما هي (8) شيءٌ حَادِثٌ من الأصل مُسْتَخْلَفٌ، وقد ابْتَاعَ عثمان بنُ عَفَّانَ☺بِئْرَ رُومَةَ فَتَصَدَّقَ بـها على المسلمين (9)، ثمَّ كانت دَلْوُهُ مع دِلاَئهم فيها.
          فأمَّا إذا تصدَّق بالشيء لا على سبيل الإحْبَاسِ لأصْلِه، لكن على سبيل البرِّ والصِّلَة لعينٍ (10) من الأعيان فإنَّه يجري مَجْرَى الهِبَةِ، فلا بأسَ عليه في ابتيَاعِهِ من صَاحِبِه.


[1] في (ف): (قال).
[2] قوله: (رسول الله) زيادة من (ف).
[3] انظر: مسند الإمام أحمد (2/ 125)، عن ابن عمر.
[4] زاد في (أ): (رسول الله).
[5] انظر: البخاري رقم (3936)، عن سعد بن مالك.
[6] في (ف): (قال).
[7] في (م): (كان قد).
[8] في (م): (هو).
[9] انظر: سنن الترمذي رقم (3703)، عن ثمامة بن حَزْنٍ القُشيريّ.
[10] في (ف): (العين).