أصل الزراري شرح صحيح البخاري

الكلام على البسملة

          ({} )
          ولما كان من الواجب صناعةً على كلِّ مصنِّف ثلاثة أشياء: البسملة، والحمدلة، والصلاة، ومن الجائز أربعة أشياء: مدح الفن، وذكر الباعث، وتسمية الكتاب، وبيان كيفيَّته من التبويب وغيرها؛ فبدأ المصنَّفُ بالبسملة لذلك، ولأنَّها مفتتحة في كتاب الله تعالى، ولقوله ◙: «كلُّ أمرٍ ذي بال لا يبدأُ فيه ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم فهو أقطع»، وفي رواية: «بذكر الله»، وفي رواية: «أجذم»، وفي رواية: «أبتر»، والمراد بـ «الأمر»: أمر مقصود لم يجعل له الشارع مبدأً مخصوصًا، فإن جُعِلَ؛ فهي بحسب ما جعلها الشارع، والمراد بـ«الأقطع»: مقطوع اليد، والأجذم: مقطوع الأنف، والأبتر: مقطوع الذنب، فالكتاب ليس له يد ولا أنف ولا ذنب، فإذا لم يبدأ بالبسملة؛ يكون ناقص البركة؛ وهي عدم الانتفاع به، وورد: «كلُّ أمرٍ ذي بال لا يبدأُ فيه بالحمد لله؛ فهو أجذم»، وفي رواية: «أقطع»، وفي رواية: «بحمد الله»، روى ذلك أبو داود، وابن حبان، وأبو عَوانة، والنسائي، وابن ماجه.
          فـ (الحمدلة) : مأمور بها كلُّ مصنِّف صناعةً وشرعًا؛ لهذه الأحاديث، فإذا لم يأت بها؛ يكون كتابه ناقص البركة، وكذا الصلاة عليه ◙، أجيب في ذلك أجوبة، وكلَّها واهية لا يُعتَدُّ بها، والأحسن ما أجاب به الإمام بدر الدين العيني ☺: (أنَّ المؤلف أتى بالحمدلة بعد البسملة في «مسودته»، كما ذكره في بقية مصنفاته، وسقطت من بعض المبيِّضين، واستمر على ذلك) انتهى؛ فليحفظ.
          وما قيل: إن المؤلِّف تلفَّظ بذلك، وإنَّه ليس في الحديث ما يدل على أنَّه لا يكون إلَّا بالكتابة ممنوع؛ لأنَّ المقصود من البسملة والحمدلة التبرُّك باسمه تعالى، ولا يحصل ذلك إلَّا بالكتابة؛ فافهم.
          ولا معارضة بين حديث البسملة والحمدلة؛ لحمل حديث البسملة على الابتداء الحقيقي، وحمل حديث الحمدلة على الابتداء العوني؛ وهو ما قُدِّم أمام المقصود كما بيَّنت ذلك في شرحي على «الأزهرية».
          ثمَّ إنَّ الباء حرف جرٍّ أصليّ، ولا بدَّ له من متعلَّق ومعنى، فمعناها: المصاحبة أو الاستعانة، ومتعلَّقها: إمَّا اسم أو فعل، وكلِّ منهما إمَّا خاص أو عام، وكلٌّ منهما إما مقدَّم أو مؤخَّر، فهذه احتمالات ثمانية، فاختير منها الفعل؛ لأنَّ الأصل في العمل له، وأن يكون مؤخَّرًا؛ لإفادة الحصر، وأن يكون خاصًّا؛ لأنَّ كلَّ شارعٍ في فنِّ يضمر ما جعل التسمية مبدأً له؛ وأمَّا ظهور المتعلَّق في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]؛ فلأنَّ الأهم ثَمَّة القراءة، بخلاف البسملة؛ فإنَّ الأهم فيها الابتداء.
          ولفظ الجلالة: عَلَم على واجب الوجود المستحِقِّ لجميع المحامد، وهو اسم الله الأعظم عند المحققين؛ منهم إمامنا الأعظم وأصحابه، وسيدي عبد القادر الكيلاني، وليس بمشتق، وعربيٌّ على الصحيح عندهم.
          و (الرحمن) و (الرحيم) : اسمان مشتقان من الرحمة؛ وهي رقة القلب؛ وهي مستحيلة عليه تعالى، والمراد لازمها؛ وهو الإنعام، وقدَّم الرَّحمن؛ لأنَّه أبلغ من حيث إنَّه عام في الدنيا والآخرة، وأمَّا الرَّحيم؛ فمختص بالآخرة، وهل الاسم عين المسمَّى أو غيره فيه خلاف، وأما أسماؤه تعالى؛ فتوقيفية على الصحيح، وتمامه في شرحنا على «القدوري».