الوجه الصبيح في ختم الجامع الصحيح

بعض نكت تراجمه وإمامة مصنفه

          فكم في(1) كتابه من استنباط المسائل الدَّقيقة، وإزاحة الإشكالات(2) المُدلهمَّة بالكلمات اليسيرة الأنيقة؛ كقوله: «باب قوله صلعم يعذَّب الميت ببكاء أهله عليه، إذا كان النَّوح من سببه(3) ».
          وقوله: «باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعقَّ عنه».
          هذا كلُّه مع الاطِّلاع على اللُّغة والتَّوسُّع فيها، وإتقان العربية، والتَّصرُّف فيها إيضاحاً وتوجيهاً، ومن تأمَّل اختياراته الفقهية علم أنَّه كان مجتهداً موفَّقاً مسدَّداً، كثير الموافقة للشَّافعيِّ، بل نَقَلَ عنه في «صحيحه» في الزَّكاة والبيوع، وقد ذكره القاضي تاج الدِّين السُّبكيُّ في «الطَّبقات» في الشَّافعيَّة، وقال: إنَّه سمع من الكرابيسيِّ وأبي ثور والزَّعفرانيِّ؛ يعني أصحاب الشَّافعيِّ، وروى عن الأخيرين(4) مسائل الشَّافعيِّ، ولم يرو(5) حديثَ الشَّافعيِّ في «الصَّحيح»؛ لأنَّه أدرك أقرانه، والشَّافعيُّ مات(6) مكتهلاً، فلم يروِ عنه بواسطة لئلّا يكون نازلاً. انتهى.
          وذكره أبو الحسين ابن الفرَّاء في أصحاب أحمد من «طبقات الحنابلة»، وأسند عنه أنَّه قال: دخلت بغداد ثمان مرَّات، كلُّ ذلك أجالس أحمد بن حنبل، فقال لي آخر ما ودَّعته: يا أبا عبد الله تتركِ العلمَ والنَّاس وتصير إلى خراسان؟! فقال البخاريُّ: فأنا الآن أذكر قوله.
          وأُسنِدَ عنه عن أحمدَ قال: إنَّما النَّاس بشيوخهم، فإذا ذهب الشُّيوخ فمع مَن؟!
          ونحوه قول غيره: لا يزال النَّاس بخيرٍ ما تفاضلوا، فإذا تساووا هلكوا.
          وقول الآخر: ما فرحت بنكبة رئيس، فإذا هلكت الرؤساء فمع مَن العيشُ؟!
          وقد روى عن أحمد في «الصَّحيح» في النِّكاح قال: وقال لنا أحمد.
          قال الحافظ السَّخاويُّ: وبالجملة فالميل لما تقدَّم من كونه كان مجتهداً(7) صرَّح به التقيُّ ابن تيمية فقال: إنه إمام في(8) الفقه، من أهل الاجتهاد.
          ولجلالة قدر كتابه قال اللؤلؤي ابن خلدون في «مقدمة تاريخه»: شرحُه دينٌ على هذه الأمَّة، قيل: وكان هذا قبل ظهور «فتح الباري»، فبالفتح ارتفع ذلك الدَّين والكدح.


[1] في (ظ): «من».
[2] في (ظ): «الأشكال».
[3] في (ظ): «عن سببه». ولفظ مطبوع الصحيح: «من سنته ».
[4] في (ظ): «الآخرين».
[5] في (ظ): «يرد».
[6] قوله: «مات» سقط من (ظ).
[7] في (ظ): «مجاهداً».
[8] في (ن): «من».