تحفة الأخباري بترجمة البخاري

الرحلة في طلب الحديث

          كانت رحلةُ البخاريِّ ☼في طلب الحديث إلى معظم البلاد، وكتب بخراسان والجبال ومدن العراق كلِّها وبالحجاز والشام ومصر، وأخذ عن الحفاظ النقاد، لقي مكي بن إبراهيم بخراسان، وأبا عاصم بالبصرة، وعبيد الله بن موسى بالكوفة، وأبا عبد الرحمن المقرئ بمكة، ومحمد بن يوسف الفِريابيَّ بالشام، وكتب عن خلق حتى عن أقرانه، كأبي محمَّد الدارمي، وأبي زُرعة وأبي حاتم الرَّازيين، وأشباههم، حتى كتب عمَّن هو دونه، كعبد الله بن حماد الآملي، وحسن القباني، وغيرهما.
          وقال وراقه محمَّد بن أبي حاتم: سئل محمَّد بن إسماعيل عن خبر حديث ؟ فقال: يا أبا فلان تراني أُدلِّس / تركت أنا عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر.
          وقال الحافظ أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن محمَّد غُنْجار في كتابه ((تاريخ بخارى)): حدَّثنا خلف بن محمد: سمعتُ الحسين بن الحسن بن الوضَّاح(1) ومكي بن خلف بن عفان قالا: سمعنا محمَّد بن إسماعيل البخاري يقول: كتبتُ عن ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب إلَّا عن مَن قال للإيمان: قول وعمل، ولم أكتب عن مَن قال للإيمان: قول.
          وقال غُنجار أيضًا: حدَّثنا أبو عمرو أحمد بن محمَّد بن عمر المقرئ: سمعتُ أبا حسان مَهيب بن سُليم: سمعتُ جعفر بن محمَّد القطَّان إمام الجامع بكرمينية: سمعتُ محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ يقول: كتبتُ عن ألف شيخ وأكثر، عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر، ما عندي حديث إلَّا أذكر إسناده.
          (وقال أبو عبد الله غُنجار أيضًا: حدَّثنا أبو الحسن محمَّد بن عمران بن موسى الجرجاني: سمعت أبا محمَّد عبد الرحمن بن محمَّد بن عبد الرحمن البخاري بالشاس / سمعتُ أبا عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ يقول: لقيتُ أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر، لقيتهم كرَّات، قرنًا بعد قرن(2) ، ثمَّ قرنًا بعد قرن، أدركتهم وهم متوافرون، منذ أكثر من ست وأربعين سنة، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين، وبالبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد، وبالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان، منهم المكي بن إبراهيم، وذكر بقيته...)
          وقال أبو جعفر الورَّاق: سمعتُ البخاريَّ يقول قبل موته بقليل: كتبتُ عن ألف وثمانين رجلًا كلٌّ يعتقد أنَّ الإيمانَ قولٌ وعمل ويزيد وينقص.
          ورُوِّينا عن البخاري أنَّه قال مرة لوراقة أبي جعفر محمَّد بن أبي حاتم: لم تكن كتابتي للحديث كما كتبَ هؤلاء، كنتُ إذا كتبتُ عن رجلٍ سألتُ عن اسمه وكنيته ونسبه وعِلَّة الحديث إن كان الرجل فهمًا، فإن لم يكن سألته أن يُخرج إليَّ أصله ونَسختُه(3) .
          (وقال / أبو جعفر محمَّد بن أبي حاتم: وسمعت بعض أصحابنا يذكر عن أبي بكر الكَلوَاذاني يقول: ما رأيتُ أحدًا يكتب الحديث كما كان يكتب محمَّد_يعني البخاري_ كان يقلع الحديث قلعًا إذا أخذ كتابًا، وكان يشتهي ألَّا يفوته شيء مما عند محدِّث، وكان كلُّ من جثا محمَّد عنده يفتخر به فيخرج إليه جميع ما عنده ولا يكتمه شيئًا.
          وقال: وسمعتُ أبا سعيد المؤدب يقول: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لم يكن يشبه طلب محمَّد_ يعني البخاري _ للحديث طلبنا، كان إذا نظر في حديث رجل أنزفَهُ).


[1] كذا في الأصلين.
[2] أي: مرة بعد مرة.
[3] هكذا ضبطت في (ب)، ويحتمل: ونُسْخَتَهُ.