التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل

          2900- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ ابْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم يَوْمَ بَدْرٍ، حِينَ صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا: «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ» [خ¦2900].
          ورواه في المغازي عن عبد الله بن محمد الجُعفي، عن أبي أحمد الزبيري، عن ابن الغسيل، عن حمزة والزبير بن المنذر ابن أبي أسيد، عن أبيهما.
          وخالف ذلك أبو نعيم الحافظ فأدخل بين حمزة وابن الغسيل عباس بن سهل بن سعد من رواية الزبيري، قال: حدثنا أبو بكر بن مالك، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن أبي أحمد الزبيري، عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن عباس بن سهل بن سعد، عن حمزة، عن أبيه.
          ورواه الطبراني من طريق يحيى الحماني وأبي نعيم الدكيني، عن ابن الغسيل، عن عباس بن سهل وحمزة بن أبي أسيد.
          وخالف البخاريَّ أيضًا أبو نعيم الأصبهاني مخالفة ثانية فقال: حدثنا محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن عدي، عن ابن نيزك عن محمد بن عبد الرحيم: حدَّثنا أبو أحمد الزبيري، عن ابن الغسيل، عن حمزة، والمنذر بن أبي أسيد، فذكره من غير ذكر الزبير، وكأنَّه الصواب لقوله: عن / أبيهما والله أعلم.
          وذكر البخاري حديث ابنِ الأكوع: (مَرَّ النَّبِيُّ صلعم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَقَالَ: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟»، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ: «ارْمُوا وأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» [خ¦2899]).
          قرأت على المُسنِد تاج الدين أحمد بن محمد بن علي بن شجاع الهاشمي في شهور سنة خمس عشرة عن ابن رَواج: أخبرنا الحافظ الثغري: أخبرنا أبو الفتح البيودرجاني: أخبرنا أبو نعيم: أخبرنا ابن مطير بجميع كتاب «الرَّمي» تأليفه: أخبرنا علي بن عبد العزيز: حدَّثنا أبو حذيفة: حدَّثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن داود بن حُصَين، عن أبي العالية، عن ابن عباس، أَنَّ النَّبيَّ صلعم مرَّ بِنَفَرٍ يَرمُونَ فَقَالَ: «رَميًا بَنِي إِسمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُم كَانَ رَامِيًا».
          وفي «صحيح ابن حبان» عن أبي هريرة: خرج النَّبيُّ صلعم وأَسْلَمُ يرمون فقال: «اِرْمُوا بَنِي إِسمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُم كَانَ رَامِيًا، وَارمُوا وَأَنَا مَعَ ابنِ الأدرع» فَأمسَكَ القومُ قِسيَّهم، وقَالوا: مَن كنتَ مَعهُ غَلَبَ، قال: «اِرمُوا وَأَنَا مَعَكُم كُلِّكُم». انتهى.
          إن ابن الأدرع: اسمه مِحجن، ذكره ابن عبد البر.
          وحديث سلمة يشهد لما ذكره ابن سعد من طريق ابن لهيعة، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم: أخبرني بكر بن سوادة، سمع علي بن رباح يقول: قال رسول الله صلعم: «كل العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم صلعم».
          وذكره ابن هشام أيضًا عن بعض أهل اليمن. يعني: النَّسَّابين.
          وفي كتاب الزبير: حدَّثني إبراهيم الحزامي: حدَّثني عبد العزيز بن عمران، عن معاوية بن صالح الحميري، عن ثور، عن مكحول: قال صلعم: «العرب كلُّها بنو إسماعيل إلا أربع قبائل: السلف، والأوزاع، وحضرموت، وثقيف».
          ورواه صاعد في كتاب «الفصوص» تأليفه، من حديث عبد العزيز بن عمران، عن معاوية: أخبرني مكحول، عن مالك بن يخامر _وله صحبة_ فذكره.
          قال أبو عمر: قالوا: قحطان بن تيمن بن هميسع بن نبت، وهو ثابت بن إسماعيل.
          وقيل: قحطان بن يمن بن هميسع بن ثابت.
          وقيل: قحطان بن هميسع بن أصياف بن هميسع بن أصياف بن هميسع بن هود بن شروان بن الثيان / بن العامل بن مهران بن يحيى بن يقظان بن شاوت، وهو ثابت بن تيمن بن النبت بن إسماعيل عليه السلام.
          قال: ويشهد لمن جعل قحطان من ولد إسماعيل قولُ المنذر ابن حرام جد حسان بن ثابت حيث يقول:
ورثنا من البهلول عمرو بن عامر                     وحارثة الغِطْرِيف مجدًّا مؤثَّلا
مآثر من نبت بن نبت بن مالك                     ونبت بن إسماعيل ما إن تحوَّلا
          وقوله: (يَنْضِلُونَ) بضاد معجمة؛ أي: يترامون.
          و(النِّضَال): الرَّميُ مع الأقران.
          وفيه: أنَّ الجد وإن علا يسمى أبًا، وأن للسلطان أن يأمر رجاله بتعلم الفروسيَّة ويحضَّ عليها، وأنَّ الرجل يتبع خلال أبيه، قال:
لسنا وإن كثرت أوائلنا                     يومًا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا                     تبني ونفعل مثل ما فعلوا
          وقوله: (حِينَ صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ) قال الخطَّابي: وفي بعض النسخ المسموعة «حين أسففنا»، مكان: (صَفَفَنَا)، فإن كان محفوظًا فمعناه: القرب منهم والتَّدلِّي عليهم، كأنَّ مكانهم الذي كانوا فيه أهبَطُ من مصافِّ هؤلاء، ومنه قولهم: أسفَّ الطائر في طيرانه: إذا انحطَّ إلى أن يقارب وجه الأرض، ثم يطير صاعدًا.
          وقوله: (أَكْثَبُوكُمْ) بثاء مثلَّثة وباءٍ موحَّدة، أي: دنوا منكم وقاربوكم، وفي «الغريبين»: «إذا كثَبُوكُمْ» رواه أبو العباس ابن حمويه صاحب شمر بإسناد له، قال أبو العباس: فلعلهما لغتان.
          وقال الداودي: معنى (أَكْثَبُوكُمْ): كثروا عليكم، وذلك أنَّ النبل إذا رمي في الجمع لم يخطئ ففيه ردع لهم.
          قال القرطبي: والقوة التَّقوِّي بإعداد ما يحتاج إليه، من الدُّروع، والسُّيوف، وسائر آلات الحرب، إلا أنَّه لما كان الرميُ أنكاها في العدوِّ وأنفعها لهم على ما هو مشاهد فسَّرها به، وخصَّصها بالذكر، وأكَّدها ثلاثًا.
          وقد وردت أحاديث في فضل الرمي، والتحريض عليه، ذكرنا منها جملة في كتابنا في «الرمي»، فمنها ما رواه التِّرمذي عن أبي نجيح _يعني عمرو بن عنبسة_ يرفعه: «مَن رَمَى بِسَهمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ لَهُ عَدلُ مُحَرَّرٍ» وقال: حسن صحيح.
          وعند النَّسائي عن كعب بن مرة / : «مَن رَمَى بِسَهمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَلَغَ العَدُوَّ أَو لَم يَبلُغ كَانَ لَهُ كَعِتقِ رَقَبَةٍ».
          وعند ابن حبان: «مَن رَمَى فَبَلَغَ العَدُوَّ بِسَهمٍ رَفَعَ اللهُ بِهِ دَرَجَتَهُ». فقال عبد الرحمن بن النحام: يا رسول الله، ما الدَّرجة؟ قال: «أَمَا إِنَّهَا لَيسَت بِعَتَبَةِ أُمِّكَ، مَا بَينَ الدَّرَجَتَينِ مِئَةُ عَامٍ».
          وروينا في «الخلعيَّات» من حديث الرَّبيع بن صَبيح، عن الحسن _يعني ابن أبي الحسناء فيما ذكره الخطيب وقال هو الصَّواب_، عن أنس: «يُدخِلُ اللهُ بِالسَّهمِ الجَنَّة ثَلَاثَةً: الرَّامِي بِه، وَصَانِعَهُ، وَالمُحتَسِبَ بِه».
          وفي لفظ: «مَن اتَّخذَ قَوسًا عَرَبِيَّةً وَجَفِيرَهَا _يعني: كِنَانَتَه_ نَفَى اللهُ عَنهُ الفَقرَ».
          وفي لفظ: «أَربَعِينَ سَنَةً».
          وعند أبي داود: حدثنا الأشعث بن سعيد: حدَّثنا عبد الله ابن بشر، عن أبي راشد الحُبراني، عن علي: رأى رسول الله صلعم رجلًا يرمي بقوس فارسيَّة فقال: «ارْمِ بِهَا»، ثم نظر إلى قوس عربيَّة فقال: «عَلَيكُم بِهَذِهِ وَأَمثَالِهَا، فَإِنَّ بِهَذِهِ يُمَكِّنُ اللهُ لَكُم فِي البِلَادِ وَيُؤَيِّدُكُم فِي النَّصرِ».
          وعند الطَّبراني من حديث أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله، قال رسول الله صلعم يوم الطائف: «قَاتِلُوا أَهلَ الصِّقعِ، فَمَن بَلَغَ بِسَهمٍ فَإِنَّه دَرَجَتُهُ فِي الجَنَّةِ».
          ذكر البيهقي عن أبي عبد الرحمن ابن عائشة أنَّه قال أهل العلم: إنما نهى عن القوس الفارسية لأنها إذا انقطع وترها لم ينتفع بها صاحبها، والعربية إذا انقطع وترها كانت له عصًا ينتفع بها.
          وحديث أبي هريرة في لعب الحبشة في المسجد [خ¦2901] تقدَّم في الصلاة.
          وقوله هنا في بعض نسخ البخاري: زاد عبد الرزاق: ثنا معمر، عن الزُّهريِّ: في المسجد [خ¦2901].
          رواه الإسماعيلي عن القاسم: حدَّثنا إسحاق بن منصور: حدَّثنا الوليد: حدَّثنا الأوزاعي، عن الزهري فقال: في المسجد. وكذا هو في «صحيح مسلم».
          الأحاديث بعده تقدم ذكرها.