التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر

          2015- حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ: أخبرنا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلعم: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» [خ¦2015].
          وفي حديث عمر عند الحاكم على شرط مسلم من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس: «إني سمعت /  الله تعالى يذكر السبع، فذكر سبع سموات، ومن الأرضين مثلهن، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض من سبع. فقال عمر: والله إني لأرى القول كما قلت».
          وعند ابن أبي عاصم: «التمسوها في العشر الأواخر».
          وعن ابن عباس: «كان النبيُّ صلعم يرشُّ على أهلِهِ الماءَ ليلةَ ثلاث وعشرين».
          وعند مسلم عن أبي بن كعب: «وحَلَفَ لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، فقيل: بأي شيء تقول ذلك؟ فقال: بالعلامة التي أخبرنا رسول الله صلعم أنَّ الشمسَ تطلع يومئذٍ لا شعاع لها».
          وعن عبد الله بن أُنَيسٍ أن النبيَّ صلعم قال: «أُرِيتُ ليلةَ القدرِ ثم أُنْسِيتُها، وأُرَاني صبيحتَها أسجدُ في ماءٍ وطينٍ. قال: فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعشرين» الحديث.
          وعن أبي هريرة قال النبي صلعم: «أُرِيتُ ليلةَ القدر، ثم أيقظني بعضُ أهلي، فنسيتُها، فالتمسوها في العشرِ الأواخر».
          وعند ابن أبي شيبةَ عن جابر بن سَمُرةَ بسندٍ صالح قال رسول الله صلعم: «التَمِسُوا ليلةَ القدرِ في العشر الأواخر».
          زاد أحمد: «في وترٍ، فإني قد رَأيتُها فأُنْسِيتُها، وهي مطرٌ وريحٌ، أو قال: قطرٌ وريحٌ».
          وعند ابن أبي عاصمٍ من حديث جابرِ بن عبد الله قال رسول الله صلعم: «إِنِّي رَأَيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، فأُنْسِيتُها، وَهِيَ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ لَيالِيهَا، وَهِيَ لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ، بَلْجَةٌ، لَا حَارَّةٌ، وَلَا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا، لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يُضِيءَ فَجْرُهَا».
          وعند أبي زُرْعة عبد الرحمن بن عمرو البصري الدمشقي في العاشر من حديثه قال: حدثنا سعيد _يعني ابن سليمان_: حدَّثنا صالح بن عمر: حدَّثنا عاصم بن كُلَيب، عن خاله لقمان _يقال: اسمه الفَلَتان_ قال: «أتيت النبي صلعم فقال: إنِّي خرجت إليكم، وقد بينت لي ليلة القدر، فخرجت إليكم لأثبتها، فلقيت في المسجد رجلين يَتَلاحَيَان معهما الشيطان، فحجزت بينهما، فاختُلست مني، فنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر».
          وعند النسائي عن أنس مثله وفيه: «فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة».
          وعند ابن أبي عاصم: حدَّثنا صاعقة: حدَّثنا عبد الصمد بن / النعمان: حدَّثنا خالد بن مَحْدُوج، عنه مرفوعًا: «التمسوا ليلة القدر في أول ليلة من رمضان، أو في تسعٍ، أو في أربع عشرة، أو في إحدى وعشرين، أو في آخر ليلة»، قال أبو بكر: ولا نعلم أحدًا قال: «أول ليلة» إلا هذا.
          وعند الترمذي مصححًا عن أبي بكرةَ سمعت النبي صلعم يقول: «التمسوها في تسع يبقين، أو سبعٍ يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاثٍ، أو آخر ليلة»، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
          وعند البخاري عن بلال يرفعه: «هي في السبع، في العشر الأواخر».
          وعند أبي نُعَيم الحافظ أنها أول السبع من العشر الأواخر.
          وعند الطبراني من حديث ابن لهيعة: «ليلة القدر ليلة أربع وعشرين».
          وعند أبي داود _بسند فيه مقال_ عن ابن مسعود قال رسول الله صلعم: «اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين».
          وعن معاوية بن أبي سفيان يرفعه: «ليلة القدر ليلة سبع وعشرين».
          وعند الحاكم على شرط مسلم عن أبي ذرٍّ: «سألتُ النبي صلعم عن ليلة القدر: أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: بل هي في رمضان. قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قبضوا رُفِعت، أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة. قلت: يا رسول الله! في أي: رمضان هي؟ قال: التمسوها في العشر الأول والعشر الأواخر. قال: ثم حدَّث رسول الله صلعم، فاهتبلتُ غفلته فقلت: في أي العشريْن؟ قال: التمسوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها. ثم حدَّث، قال: فاهتبلتُ غفلته فقلت: يا رسول الله! أقسمت عليك لتخبرني في أي العشر هي؟ قال: فغضب عليَّ غضبًا ما غضب عليَّ قبله ولا بعده مثله، وقال: إن الله لو شاء لأطلعكم عليها، التمسوها في السبع الأواخر».
          وعند أبي عبد الرحمن النسائي عن النعمان بن بشير قال: «قمنا مع رسول الله صلعم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس / وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة تسع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح».
          زاد أحمد: «فأما نحن فنقول: ليلةُ السابعة ليلة سبع وعشرين، وأنتم تقولون: ليلة ثلاث وعشرين السابعة، فمن أصوب نحن أو أنتم؟».
          أخبرنا غير واحد من أشياخنا، عن الفقيه بهاء الدين المصري، عن الحافظ الثَّغْري، قال: أخبرنا أبو الخطاب: حدَّثنا ابن بِشْران: أخبرنا أبو الحسين بن الحباب: حدَّثنا الصَّفَّار: حدَّثنا سويد: حدَّثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي، عن أبي إسحاق، عن هُبيرة بن يَريم، عن علي بن أبي طالب، قال رسول الله صلعم: «مَن كان ملتمسًا _يعني ليلة القدر_ فليلتمسها في العشر الأواخر من رمضان، فإن عجزتم، فلا تُغْلَبُوا في السبع الأواخر».
          وعند ابن أبي عاصم: «كان صلعم إذا دخل العشرُ أيقظ أهله، ورفع المئزر، يعني اعتزل النساء».
          وعند ابن أبي عاصم _بسند صالح_ عن معاذ بن جبل: «سئل رسول الله صلعم عن ليلة القدر فقال: في العشر الأواخر، في الخامسة أو السابعة».
          وعن أبي الدرداء _بسند فيه ضعف_ قال رسول الله صلعم: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، فإنَّ الله ╡ يفرق فيها كل أمر حكيم، وفيها أنزلت التوراة والزبور وصحف إبراهيم وموسى والقرآن العظيم، وفيها غرسَ الله الجنَّةَ، وجبَلَ طينةَ آدم صلعم».
          وحديث أبي سعيد تقدم [خ¦2016].
          قال ابن بطال: قوله: (مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ) يريد ذلك العام الذي تواطأت فيه الرؤيا على ذلك، وهي ليلة ثلاث وعشرين.
          قال الطحاوي: وفي القرآن ما يدلُّ أنها في رمضان خاصَّة خلاف ما يقوله ابن مسعود، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْزِلِيْنَ. فِيْهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيْمٍ}[الدخان:3-4]. فأخبر سبحانه بأن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة القدر، وهي الليلة التي أنزل فيها القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ}[البقرة:185]. فثبت بذلك أن تلك الليلة في شهر رمضان.
          قال ابن التين: قول أبي سعيد في حديثه / : (فَخَرَجَ صَبِيْحَةَ عِشْرِيْنَ) وجهه أنه أخرج قبته، أو خرج هو من موضع إلى آخر، وأما هو فليس بوقت خروج من الاعتكاف، ولا يخرج من اعتكف وسط الشهر إلا بعد مغيب الشمس من ليلة إحدى وعشرين. انتهى.
          في حديث أبي سعيد بيان ما استبعده وهو: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ العَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي، وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ [خ¦2018]).
          وعند مسلم: «اعتكف في قبة تركية على سدتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحَّاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال: إني اعتكفتُ العشر الأول ألتمسُ هذه الليلة، ثم اعتكفتُ العشر الأوسط، ثم أُتِيتُ فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناس معه».
          وفي لفظ: «فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا» الحديث [خ¦2040].
          وعند مالك في حديث أبي سعيد خلافُ ما في البخاري، وهو الذي اعتمده ابن التين: «حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنَ اعْتِكَافِهِ».
          قال أبو عمر: والوجه في ذلك عندي أنه أراد أنه خطَبهم غداةَ عشرين ليعرِّفهم أنه اليوم الآخر من أيام اعتكافهم، وأنَّ الليلة التي تلي تلك الصبيحةَ هي ليلة إحدى وعشرين هي المطلوب فيها ليلة القدر.
          وقال المهلب: ليس بين الروايتين تعارض؛ لأن يوم عشرين معتكف فيه، وبه تتم العشرة الأيام؛ لأنه دخل في أول الليل فيخرج في أوله، فيكون معنى قوله: «في ليلة إحدى وعشرين وهي التي يخرج من صبيحتها» يريد الصبيحة التي قبل ليلة إحدى وعشرين، وأضافها إلى الليلة كما تضاف أيضًا الصبيحة التي بعدها إلى الليلة، وكلُّ متَّصل بشيء فهو مضاف إليه؛ سواء كان قبله أو بعده، وإن كانت العادة في نسبة الصبيحة / إلى الليلة التي قبلها لتقدُّم الليل على النهار فإنَّ نسبة الشيء إلى ما بعده جائز.
          وقوله في حديث عائشة: (تَحَرَّوْا) أي: احرصوا في طلبها، واجتهدوا فيه.
          قال الطبري: في دلالته صلعم على ليلة القدر بالآيات دليل واضح على كَذِبِ من زعم أنها تظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة من سقوط الأشجار إلى الأرض، ثم رجوعها قائمة إلى أماكنها؛ إذ لو كان ذلك حقًا لم يَخْفَ على بصرِ مَن يقوم ليالي السنة كلها، فكيف بليالي رمضان.
          ... إثر حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: «التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ». قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْهُ: «التَمِسُوهَا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ» [خ¦2021].
          خرَّجه البيهقي في «سننه» من طريق إسحاق بن الحسن، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل عنه.
          وقوله: (شَدَّ مِئْزَرَهُ) المئزر والإزار: ما ائتزر الرجل به من أسفله، وهو يُذكَّرُ ويؤنَّث، وهو هنا كناية عن الجِدِّ والتشمير في العبادة.
          وقيل: كناية عن ترك النساء.
          وعن الثوري: هذا من ألطف الكنايات عن اعتزال النساء.
          قال القرطبي: وقد ذهب بعض أئمتنا إلى أنه عبارة عن الاعتكاف.
          قال: وفيه بعد لقولها: (أَيْقَظَ أَهْلَهُ)، وهذا يدل على أنه كان معهم في البيت، وهو كان في حال اعتكافه في المسجد، وما كان يخرج منه إلا لحاجة الإنسان، على أنه يصح أن يوقظهنَّ من موضعه من باب الخوخة التي كانت له إلى بيته في المسجد. انتهى.
          يحتمل أيضًا أن يكون قوله: (يُوْقِظُ أَهْلَهُ) أي: المعتكفةَ معه في المسجد، أو يحتمل أن يوقظهنَّ إذا دخل البيت لحاجته.
          وقوله: (وَأَحْيَا لَيْلَهُ) يعني باجتهاده في العشر الأخير من رمضان؛ لاحتمال أن يكون الشهر إما ناقصًا وإما تامًّا، فإذا أحيا ليالِيَ العشر كلها لم يفته منها شفعٌ ولا وترٌ.
          وقيل: لأن العشر آخر العمل فينبغي أن يحرص على تجويد الخاتمة / .