التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده

          6783- قولُه: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّ (غِيَاثًا) بكسرِ الغينِ المُعْجَمَةِ، وتخفيفِ المُثَنَّاةِ تحت، وفي آخرِه ثاءٌ مُثَلَّثَةٌ، و(الأَعْمَشُ): سليمانُ بنُ مِهْرَانَ، و(أَبُو صَالِحٍ): ذكوانُ.
          قوله: (يَسْرِقُ البَيْضَةَ): سيأتي عقب هذا في طرف الحديث: (قَالَ الأَعْمَشُ: كَانُوا يُرَوْنَ(1) أَنَّهُ بَيْضُ الحَدِيدِ) انتهى، قيل: هي بيضةُ الطَّائر المعروفة، وهذا يؤيِّدُ مذهبَ مَن يقطعُ في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ، ولا يَعْتَبِرُ النِّصَابَ، وقيل: هو مَثَلٌ وإِخْبَارٌ عن مآلِ مَنِ اعتادَ السَّرقةَ ولو للشيءِ التَّافه، فإنَّ ذلك يجرُّه إلى سرقةِ ما له بالٌ، وقيل: المراد: بيضةُ الحديد _كما تَقَدَّمَ عنِ الأعمش_ التي لها قدرٌ.
          قال ابن الأثير في «نهايته»: («يسرقُ البيضةَ» يعني: الخوذة، قال ابن قُتَيْبَة: الوجهُ في الحديث: أنَّ الله لمَّا أنزل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:38]؛ قال النَّبيُّ صلعم: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ»، على ظاهر ما نَزَلَ عليه، يعني: بيضةَ الدَّجاجةِ ونحوها، ثمَّ أعلمَه اللهُ بعدُ أنَّ القطعَ لا يكونُ إلَّا في ربعِ دينارٍ فما فوقَه، وأُنْكِرَ تأويلُها بالخوذةِ؛ لأنَّ هذا ليس موضعَ تكثيرٍ لما يأخذُه السارقُ، وإنَّما موضعُ تقليلٍ، فإنَّه لا يُقال: قبَّحَ اللهُ فلانًا عرَّضَ نفسَه للضَّرب في عِقدِ جوهرٍ، إنَّما يُقال: لعنه اللهُ تعرَّضَ لقطعِ يدهِ في خَلِقٍ رَثٍّ أو كبَّة شعر)، انتهى.
          قوله: (وَيَسْرِقُ الحَبْلَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ): عقَّبه الأعمشُ، فقال: (وَالحَبْلُ كَانُوا يُرَوْنَ(2) أَنَّهُ مِنْهَا مَا يَسْوَى دَرَاهِمَ): وفي نسخة: (يُسَاوي)، وهذه الفصيحةُ، و(يَسْوى): لُغيَّةٌ، وفي «مسلمٍ» في آخر (كتاب النذر) استعمالُها مِن كلام عبد الله بن عُمرَ، قال الجوهريُّ: (الفرَّاء: هذا الشَّيءُ لا يُساوي كذا، وكذا لا يُساويه؛ أي: لا يُعادِلُه)، انتهى، وقال المرزوقيُّ في «شرح الفصيح»: (هذا الشيءُ يُساوي ألفًا؛ أي: يستوي معه في القَدْرِ، قال: والعامَّةُ تقولُ: يَسْوَى، وليس بشيءٍ، واعتذرَ بعضُهُم عن كلامِ ابنِ عمرَ، فقال: هو تغييرٌ مِن بعضِ الرُّواةِ).
          و(الحبل): قيل: هو على ظاهرِهِ، وقيل: حبلُ السَّفينةِ، واللهُ أعلم، ويأتي فيه ما ذكرتُه في (البيضةِ) أعلاهُ.


[1] كذا في (أ) و(ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (يَرَوْن).
[2] كذا في (أ) و(ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (يَرَوْن).