التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أن رسول الله دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر

          1846- قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا كثيرة أنَّه الزُّهريُّ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِم بن عُبَيد الله بن عَبد الله بن شهاب، العَلَمُ الفَرْدُ.
          قوله: (عَامَ الْفَتْحِ): تقدَّم أنَّه في رمضان سنة ثمانٍ، وتقدَّم تاريخ الدُّخول بالخلاف فيه قريبًا [خ¦1832]، ويأتي في (الفتح) أيضًا [خ¦64/46-6198]. /
          قوله: (الْمِغْفَرُ): هو بكسر الميم، وإسكان الغين المعجمة، وفتح الفاء، وبالرَّاء، هو ما يلبسه الدَّارع على رأسه من الزَّرد ونحوه، ويُطلَق أيضًا على الخوذة.
          تنبيه: هذا الحديث قيل: تفرَّد به مالك عن الزُّهريِّ، عن أنس، وليس كذلك، وسيأتي الكلام عليه مُطَوَّلًا في (اللِّباس) إن شاء الله وقدَّره في (بَاب المِغْفَر) [خ¦5808].
          قوله: (رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ»): هذا الرَّجل الذي أعلمه ╕ بابن خَطَل لا أعرفه، إلَّا أن يكون واحدًا ممَّن قيل: إنَّه قَتَله، وسيأتي قريبًا، قال الدِّمياطيُّ: («ابن خطل»: هلال بن عبد الله بن عبد مناف، و«خَطَل»: لقبٌ لجدِّه)، انتهى.
          (وابن خَطَل): اسمُه هلال، أو عبد الله _وهلال أخوه، ويقال لهما: الخطلان_ أو عبد العزَّى، أو غالب بن عبد الله بن عبد مناف، أقوال.
          ثمَّ اعلم أنَّه ╕ كان عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم بالدخول إلى مكَّة ألَّا يقاتلوا إلَّا مَن قاتلهم، إلَّا أنَّه قد عهد في نفرٍ _سمَّاهم_ بقتلهم وإن وُجدوا تحت أستار الكعبة؛ منهم: عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح _بالسِّين المفتوحة، وإسكان الرَّاء، وبالحاء المهملتين_ العامريُّ، وعبد العزَّى بن خَطَل _وقد قدَّمتُ اسمَه والاختلافَ فيه أعلاه_، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نُقَيد بن وهب بن عبد بن قصيٍّ، ومِقْيَس بن صُبَابَة _و(صُبَابَة): بضمِّ الصَّاد المهملة، وموحَّدتين، بينهما ألف، الثَّانيةِ مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث، وذكر غيرُ واحدٍ من أهل اللُّغة أنَّه (مِقْيَص) بالصَّاد_، وهبَّار بن الأسود، وقينتا ابنِ خَطَل كانتا تغنِّيان لابن خَطَل بهجاء النَّبيِّ صلعم _وسأذكرُ تسميتَهما_، وسارة مولاة لبني عبد المُطَّلب، وقد ذكر هؤلاء المُهدَرين مغلطايُ في «سيرته الصُّغرى(1)»، وزاد: (وكعب بن زهير، [أسلم]، وهند بنت عتبة، أَسْلَمت، ووحشيُّ بن حرب، أسلم)، انتهى، وفي «تجريد الذَّهبيِّ»: (أَسِيد بن أبي أُنَاس بن زُنَيم الكِنانيُّ، أهدر ╕ دَمَه فيما يُروى، ثمَّ جاء مسلمًا)، انتهى، لكن لم أرَ أنا هل أهدرَه في الفتح، أو في غيرِه.
          فأمَّا ابن أبي سَرْح؛ فذنبه أنَّه(2) كان أسلم قبل ذلك وهاجر، وكان يكتب الوحيَ له ╕، ثمَّ ارتدَّ مُشرِكًا، وصار إلى قريش، فلمَّا كان يوم الفتح؛ فرَّ إلى عثمان _وكان أخاه من الرضاعة، أرضعت أمُّه عثمانَ_ فغيَّبه حتَّى أتى به رسولَ الله صلعم بعدما اطمأنَّ النَّاس فاستأمنه له، فصمتَ رسولُ الله صلعم طويلًا، ثمَّ قال: «نعم»، فلمَّا انصرف عثمانُ، قال ╕ لمن حوله: «ما صمتُّ إلَّا ليقومَ إليه بعضُكم فيضربَ عنقه»، فقال رجلٌ من الأنصار: فهلَّا أومأتَ إليَّ يا رسول الله، فقال: «إنَّ النَّبيَّ لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين»، وكان عبدُ الله بعد ذلك ممَّن حسن إسلامه، ولم يظهر منه شيءٌ يُنكَر عليه.
          وأمَّا ابنُ خَطَل، فإنَّما أمر بقتله، فإنَّه كان مسلمًا، فبعثه ╕ مُصدِّقًا، وبعث معه رجلًا من الأنصار، وكان معه مولًى له يخدمه، وكان مسلمًا، فنزل منزلًا، وأمر المولى أن يذبح له تيسًا، فيصنع له طعامًا، فنام فاستيقظ ابنُ خَطَل ولم يصنع له شيئًا، فعدا عليه فقتله، ثمَّ ارتدَّ مُشرِكًا، وكانت له قينتان؛ فَرْتَنَا، وقَرِيبة _وفَرْتَنا: بفتح الفاء، وإسكان الرَّاء، ثمَّ مثنَّاة فوق مفتوحة، ثمَّ نون مثلها، مقصورة، وقَرِيبة(3): بفتح القاف، وكسر(4) الرَّاء_، وكانتا تغنِّيان بهجائه ◙، فأمر بقتلهما معه، فقتله سعيد بن حُرَيث المخزوميُّ، وأبو بَرْزَة الأسلميُّ، وفي «مناسك المُحبِّ الطَّبريِّ»: (قتله الزُّبير بن العوَّام)، ورأيتُ في «مسند أبي يعلى»: أنَّه قتله سعيدُ بن حُرَيث [خ¦757]، وذكر(5) ابنُ شيخِنا البلقينيِّ في (الجهاد) قولًا آخَرَ: أنَّه قتله سعد بن ذُؤَيب، وعزاه لـ«أُسْد الغابة»، وقد رأيتُه في «تجريد الذَّهبيِّ» مختصَر «الأُسْد»، وذكر أيضًا قولًا آخَرَ: أنَّه سعيدُ بن زيد، وعزاه لـ«سنن البيهقيِّ» في (أبواب الرِّدَّة)، فتحصَّلنا على خمسة أقوال في قاتله؛ وهو سعيد بن حُرَيث، أو أبو بَرْزَة، أو الزُّبير(6)، أو سعد بن ذُؤَيب، أو سعيد بن زيد، ولعلَّهم اشتركوا فيه، والله أعلم.
          وأمَّا عكرمة بن أبي جهل، ففرَّ إلى اليمن، فاتَّبعته امرأتُه أمُّ حكيم بنت الحارث بن هشام فردَّته، فأسلم وحسُن إسلامه، وكان يُعَدُّ من فضلاء الصَّحابة.
          وأما الحُوَيرث بن نُقَيد، فكان يؤذيه ╕ بمكَّة، فقتله عليٌّ ☺ يومَ الفتح.
          وأمَّا مقيس، فكان قد أتى النَّبيَّ صلعم مسلمًا قبل ذلك، ثمَّ عدا على رجل من الأنصار فقتله بأخيه هشام بن صُبَابة بعد أن أخذ الدِّيَة، وكان الأنصاريُّ قتل أخاه مسلمًا خطأً في غزوة بني المصطلق _ويقال: في غزوة ذي قَرَد_ وهو يُرى أنَّه من العدوِّ، ثمَّ لحق مقيس بمكَّة، فقتله يوم الفتح نُمَيلة بن عبد الله اللَّيثيُّ، وهو ابن عمِّه، وقال الواحديُّ عن الكلبيِّ، عن أبي صالح، عن ابن عبَّاس: إنَّ مِقْيَسًا قتل رجلًا من بني فهر كان معه رسولًا إلى بني النَّجَّار من جهة قتل أخيه، وقد قال شيخُنا: (وذكر مقاتل: أنَّ الفهريَّ اسمه عمرو)، انتهى، وقال ابنُ بشكوال: (المقتول زهير بن عياض الفهريُّ، كذا في تفسير ابن عبَّاس رواية خلف بن قاسم)، انتهى.
          وأمَّا هَبَّار بن الأسود فهو الذي عرض لزينبَ بنتِه صلعم في سفهاء من قريش حين بعث بها زوجُها أبو العاصي بن الرَّبيع إلى المدينة، وأهوى إليها هبَّار هذا، ونخس بها، فسقطت على صخرة، فألقت ذا بطنها، وأهراقت الدِّماء، فلم يزل بها مرضُها ذلك حتى ماتت سنة ثمانٍ _وقد تقدَّم تاريخُ وفاتِها [خ¦1253]_ فقال ╕: «إن وجدتم هبَّار بن الأسود، فأحرقوه بالنَّار»، ثمَّ قال: «اقتلوه؛ فإنَّه لا يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار»، فلم يوجد، ثمَّ أسلم بعد الفتح _وفي كلام بعضِهم: يوم الفتح_ وحسن إسلامه، وصحب النَّبيَّ صلعم (7).
          وأمَّا قينتا ابنِ خَطَل فَرْتَنَا وقَرِيبة، فقُتِلَت إحداهما، واستُؤمِن ╕ للأخرى، فأمَّنها، فعاشت مدَّةً، ثمَّ ماتت في حياته ╕، وقال السُّهيليُّ: (إنَّ فَرْتَنا أسلمت، واستؤمن للأخرى)، انتهى.
          وأمَّا سارة، فاستُؤمِن لها أيضًا، فأمَّنها ╕، وعاشت إلى أن أوطأها رجلٌ فرسًا بالأبطح زمن عمر فماتت.
          ولا تستطل هذا؛ فإنَّه مفيد، وقد قدَّمت أنَّ كعب بن زهير أسلم، وكذا هند، وكذا وحشيٌّ، والله أعلم. /


[1] (الصغرى): ليس في (ب)، وانظر: «الإشارة» (ص309-312▒.
[2] في (ج): (أن).
[3] في (ب): (وقرينة)، وهو تصحيف.
[4] في (ب): (وإسكان)، وليس بصحيحٍ.
[5] في (ج): (وزاد).
[6] زيد في (ب): (بن العوام).
[7] في (أ) و(ج): (◙)، وانظر «الاستيعاب» (ص745▒ ░2675▒.