التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب القسامة

          (بَابُ القَسَامَةِ)... إلى (كِتَابِ اسْتِتَابَةِ المُرْتَدِّينَ)
          قوله: (القَسَامَةِ): هي بفتح القاف، قال الإمام: (القَسَامة) في اللُّغة: اسمٌ للأولياء الذين يحلفون على دعوى الدَّم، وفي لسان الفقهاء: هي اسم للأيمان، / وقال الجوهريُّ: هي الأيمان تُقسَم على الأولياء في الدَّم، وعلى التقديرَين؛ فهي اسم أُقِيم مُقَام المصدر، قال الإمام: ولا اختصاصَ لها بأيمان الدِّماء، إلَّا أنَّ الفقهاء استعملوها فيها، وأصحابنا استعملوها في الأيمان التي يقع الابتداء فيها بالمُدَّعي، وصورتها: أن يوجد قتيلٌ بموضع لا يُعرَف قاتلُه، ولا يثبتُ، فيدَّعي وليُّه قتلَه على شخص أو جماعة، وتوجَدُ قرينة تُشعِر بتصديق الوليِّ في دعواه، ويقال له: اللَّوث، فيحلف الوليُّ خمسين يمينًا، ويثبتُ القتلُ، فتجب الدِّية لا القصاصُ، وفي قولٍ للشافعيِّ: يجب القصاصُ.
          قال القاضي عياض: (حديث القَسَامة أصلٌ من أصولِ الشَّرع، وقاعدةٌ مِن قواعد الأحكام، وركنٌ مِن أركان مصالح العباد، وبه أخذ العلماء كافَّة مِن الصَّحَابة، والتابعين، ومَن بعدهم مِن علماء الأمصار الحجازيِّين، والشَّاميِّين، والكوفيِّين، وغيرهم وإن اختلفوا في كيفيَّة الأخذ به، ورُوِي عن جماعة إبطالُ القَسَامة، وأنَّه لا حكمَ لها، ولا عملَ بها، وممَّن قال بهذا سالمُ بنُ عبد الله، وسليمان ابن يسار، والحكم بن عُتَيبة، وقتادة، وأبو قِلَابَة، ومسلم بن خالد، وابن عُليَّة، والبُخاريُّ، وغيرُهم، وعن عمر بن عبد العزيز روايتان كالمذهبين)، انتهى، والاستدلال للفريقين ليس هذا موضعه، والله أعلم.
          ثمَّ اعلم أنَّ أوَّل مَن قضى بها في الجاهليَّة الوليدُ بن المغيرة، فأقرَّه ◙، قاله شيخُنا في «شرح المنهاج» له.
          ذكر ابن المُنَيِّر ما ذكره البُخاريُّ في هذا الباب على عادته، ثمَّ قال: (مذهب البُخاريِّ تضعيفُ القَسَامة، فلهذا صدَّر الباب بالأحاديث الجارية على أنَّ اليمين مِن جانب المُدَّعَى عليه، وذكر حديث سعيدِ بن عُبَيد، وهو جارٍ على قواعد الدَّعاوي، وإلزام المُدَّعِي البيِّنةَ ليس من خصوصيَّة القَسَامة في شيء، ثمَّ ذكر البُخاريُّ حديثَ القَسَامة الدَّالَّ على خروجها من القواعدِ بطريق العَرَض في «كتاب الموادَعة والجزية»، حذرًا من أن يذكره ههنا؛ لئلَّا يعتمد على ظاهره في الاستدلال على القَسَامة واعتبارِها، فيغلط المستدلُّ به على اعتقاد البُخاريِّ، وهو الإخفاء مع صِحَّة القَصْد، ليس مِن كتمان العلم، بل هو من قبيل ما ورد: «لا تُعطوا الحكمةَ غير أهلها، فتظلمُوها، ولا تمنعوها أهلها، فتظلموهم»، فالنَّصيحةُ تُوجِب توقِّي الغلط، والله أعلم، ووَهِمَ المُهلَّبُ فظنَّ أنَّ أبا قِلَابَة اعترض على حديث القَسَامة بحديث العُرنيِّينَ مُعارِضًا به بحديث القَسَامة، فقال: لا تَعارُض؛ لأنَّ العرنيِّين اشتُهِر أمرهم، وقتْلُهُمُ الرَّاعي، وارتدادُهم عنِ الإسلام، ولم يكن هذا الحديثُ يمكن خفاؤه ولا جحوده، وإنَّما قتلهم النَّبيُّ صلعم بعد ثُبوت ذلك عليهم شرعًا بطريقه، وهذا وَهَمٌ من المُهلَّب، وأمَّا أبو قِلَابَة؛ فلمَّا اعتُرِض عليه في إبطال القَسَامة بالحديث العامِّ الذي دلَّ على حصر القتل الشرعيِّ في الثَّلاثة؛ قتْل، أو كفْر، أو زنًى بحديث العرنيِّين؛ لأنَّ المُعترِض سبق ذهنه إلى [أنَّ] العرنيِّين لم يثبت عليهم أحد الثَّلاثة، ومع هذا قُتِلُوا، أجاب أبو قِلَابَة بأنَّه قد ثبت عليهم ثبوتًا واضحًا القتلُ، والرِّدَّةُ، والمحاربةُ، وكلام أبي قِلَابَة هذا في هذا الجواب مستقيمٌ، والله أعلم)، انتهى.
          قوله: (وَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ): هو بالثاء المُثَلَّثَة، وذاك الطَّامع أشعبُ _بالموحَّدة_ فَرْدٌ، وقد تَقَدَّمَ بعضُ ترجمة الأشعث بن قيس [خ¦4549]، وهو الأشعثُ بنُ قيس بن معديكرب بن معاوية بن جَبَلَة بن عديٍّ الكنديُّ، اسمه معديكرب، أبو مُحَمَّد، وَفَدَ سنة عشرٍ في قومه، وكانوا ستِّين راكبًا، فأسلموا، ثمَّ ارتدَّ فيمَن ارتدَّ، فحُوصِر وأُتِي به إلى الصِّدِّيق أسيرًا، فقال: استَبْقِني لحربِك، وزوِّجني أختَك _وهي أمُّ فروة أمُّ مُحَمَّد بن الأشعث_ فزوَّجه، شَهِد اليرموك، ثمَّ القادسيَّة وجَلُولاء، وكان ممَّن ألزم عليًّا بالحكمين، ترجمتُه مشهورة، فلا نُطوِّل بها، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند»، تُوُفِّيَ بعد عليٍّ بأربعين ليلةً.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه عبد الله بن عُبَيد الله ابن أبي مُلَيْكَة زُهيرٍ _وتَقَدَّمَ أنَّ زُهيرًا صحابيٌّ_ ابن عبد الله بن جُدعان التَّيميُّ.
          قوله: (إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ وَكَانَ أَمَّرَهُ عَلَى البَصْرَةِ): هو عديُّ بنُ أرطاةَ الفَزَاريُّ الدِّمَشْقيُّ، عن عَمرو بن عبَسة وأبي أُمامة، وعنه: بكر بن عبد الله المزنيُّ، وهشام بن الغاز، وبُرَيد بن أبي مريم السَّلُوليُّ، ويزيد بن أبي مريم الشَّاميُّ، وآخرون، وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنيُّ، وقد وُلِّي البصرة لعُمر بن عبد العزيز، فَقَدِمَها سنة تسع وتسعين، قُتِل سنة اثنتين ومئة، أخرج له البُخاريُّ في كتاب «الأدب المُفرَد» [خ¦761].
          قوله: (فِي قَتِيلٍ وُجِدَ عِنْدَ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ السَّمَّانِينَ): هذا (القتيلُ) لا أعرفُ اسمَه، و(وُجِد): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(السَّمَّانون): بيَّاعونَ السَّمنَ، وهذا غايةٌ في الظهور، إلَّا أنِّي سُئِلت عنه.
          قوله: (لَا يُقْضَى فِيهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ): (يُقضَى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.