تعليقات القاري على ثلاثيات البخاري

حديث سلمة: أمر النبي رجلًا من أسلم أن أذن في الناس

          السَّادس: [خ¦2007]
          (وَهُو في مَعنى الخامسُ)
          قالَ البخاري: (حدَّثَنَا المكِّيُ بن إبراهيم، ثنا) أي قال: حدَّثنا (يزيد) وَزاد أبو ذر لفظ: ابن أبي عُبيد، وَفي نسخة: هو ابن أبي عُبيد، وَفي أخرى: عن يزيد بن أبي عُبيد (عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ قَالَ: أَمَرَ النَّبِي صلعم رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ) هو بلفظ أفعل التفضيل قبيلة من قبائل العرب: (أن أَذِّنْ فِي النَّاسِ) أي أوقع الإعلام فيهم.
          (أنَّ) بالوجهين السَّابقين (مَنْ كَانَ أَكَلَ) أي قبل الإعلام في أوَّل يَومه، وَفي مَعنى الأكل شربه وَنحوه (فَلْيَصُمْ) أي فليُمسك (بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) أي حرمةً للوقت، وَلعدم المخالفة للجماعة بحسب الصُّورة.
          وأمَّا مَا رَواه ابن الهُمام في ((تحريره)) بلفظ: «مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ»، فلعلَّهُ نُقِلَ بالمعنى أو ظَفَرَ برواية في هذا المبنى.
          (وَمنْ لم يكنْ أكلَ فَلْيَصُمْ) أي حقيقة بأن ينويه، وَلعلَّ الوقت كان قبل الضَّحوة، (فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ) أي وَقد وَجب على النَّاس عُمومًا.
          (أخرجه) أي البخاري، وَكذا مسلم (في باب صِيَام عَاشُوراء) فالتَّكرارُ باعتبار استنباط / الحكمين مع مخالفة لتغيُّر في الإسناد، فإنَّ شيخه في الحديث الأوَّل أبو عَاصِم، وَفي هَذا الحديث مكِّي بن إبراهيم، معَ زيادة الفائدة في المتن.
          وعن عمر ☺ أنَّه أرسل إلي(1) إلى الحارث بن هشام إلى أنَّ غَدًا يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ فَصُمْ، وَأمُرْ أَهْلَكَ أن يَصُوْمُوْا. رواه مالك وَابن جرير.
          وعن كُرَيْب بن سعد قال: سمعت عمر بن الخطَّاب يقول: إنَّ اللهَ لَا يَسْأَلُكُم يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ وَصِيَامِ يَوْمِ الزِّيْنَةِ. يعني يوم عاشوراء. رواه ابن مردويه.
          عن أبي هريرة مرفوعًا: «صَوْمُ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ، يَوْمٌ كَانَتْ الأَنْبِيَاءُ تَصُوْمُهُ، فَصُوْمُوْهُ أَنْتُم» رواه ابن أبي شيبة. وَعنه مرفوعًا: «عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ نَبِيٍّ كَانَ قَبْلَكُمْ فَصُوْمُوْهُ أَنْتُم» رَوَاهُ البزَّار.
          وعن ابن عمر مرفوعًا: «مَنْ صَامَ يَوْمِ الزِّيْنَةِ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مِنْ صِيَامِ السَّنَةِ» يعني يوم عاشوراء، رواه الدَّيلمي.
          وعن سَعيد بن زيد مرفوعًا: «إنَّ نُوْحًا هَبَطَ مِنَ السَّفِيْنَةِ عَلَى الجُّوْدِيِّ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَصَامَ نُوْحٌ وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ بِصِيَامِهِ شُكْرًا لله، وَفِي يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ تَابَ اللهُ عَلَى آدَمَ، وَعَلَى أَهْلِ مَدِيْنَةِ يُوْنُس، وَفِيْهِ فَلَقَ البَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيْلَ، وَفِيْهِ وَلِدَ إِبْرَاهِيْمُ، وَابْنُ مَرْيَمَ»، رواه أبو الشَّيخ في الثَّواب.
          ثم اعلم أنَّ ما اشتهر من الأفعال العشرة في يوم عاشوراء فلا يصحُّ منها إلَّا الصوم وَالتَّوسعة وَالكحل وَالصَّدقة.
          فعن عَبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلعم: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الْزِيْنَةِ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مِنْ صِيَامِ تِلْكَ السَّنَةِ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يَومَئذٍ بِصَدَقَةٍ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مِنْ صَدَقَةٍ تِلْكَ السَّنَةِ » يعني يوم عاشوراء، روَاه ابن المنذر.
          وعن جَابر مَرفوعًا: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» رواه عبد البرِّ في ((الاستذكار)).
          وعن ابن مَسْعُودٍ مَرفوعًا: «مَنْ وَسَّع عَلَى عِيَالِهِ فِي يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ لَمْ يَزَلْ فِي سَعَةٍ سَائِرَ سَنَتِهِ» رواه الطَّبَراني.
          وعن أبي سعيد مرفوعًا: «مَنْ وَسَّع عَلَى عِيَالِهِ فِي يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ فِي سَنَتِهِ كُلِّهَا» رواه الطَّبراني في «الأوسَط» وَالبيهقي.
          وعن ابن عبَّاس مَرفوعًا: «مَنْ اكْتَحَلَ بِالإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ لَمْ يَرَ رَمَدًا أَبَدًا» رواه البيهقي.
          وقال أبو القاسم الأصْبَهَاني في ((التَّرغيب وَالتَّرهيْب)) عن قيس بن عبَّاد: بَلَغَنيِ أنَّ الوَحْشَ كَانَتْ تَصُوْمُ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ.
          وقال الفتح بن شخرف _وكان منَ الزَّاهدين_: كنت أَفُتُّ للنمل خبزًا في كل يومٍ، فإذا كان يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ لم يأكله، وَالله أعلم.


[1] هكذا في المخطوط.