شروط الأئمة الستة

ما ورد في مكانة الكتب الستة وأصحابها

          أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأندلسي، قال: سمعت أبا محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ الفقيه، وقد جرى ذكر الصحيحين، فعظَّم منهما، ورفع من شأنهما، وذكر أن سعيد بن السَّكن اجتمع إليه يومًا قوم من أصحاب الحديث، فقالوا له: إن الكتب في الحديث قد كثرتْ علينا، فلو دلَّنا الشيخ على شيء نقتصر عليه منها، فسكت ودخل إلى / بيته فاخرج أربعَ رِزَم، ووضع بعضها على بعض، وقال: ((هذه قواعد الإسلام، كتاب مُسْلِم، وكتاب البُخَارِي، وكتاب أبي داود، وكتاب النَّسَائِي)).
          سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري بهَرَاة، وجرى بين يدي ذكر أبي عيسى التِّرْمِذي وكتابه، فقال: ((كتابه عندي أنفع من كتاب البُخَارِي ومُسْلِم؛ لأنَّ كتابي البُخَارِي ومُسْلِم لا يقف على الفائدة منهما إلَّا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدة كل أحد من الناس)).
          رأيت على ظهر جزء قديم بالرَّي حكايةً، كتبها أبو حاتم الحافظ المعروف بخاموش، قال أبو زُرْعَة الرازي: ((طالعت كتاب أبي عبد الله بن ماجه(1)، فلم أجد فيه إلَّا قدرًا يسيرًا مما فيه شيء)). وذَكَرَ قريب بضعة عشر أو كلامًا هذا معناه. /
          ورأيت بقزوين له تاريخًا على الرجال والأمصار من عهد الصحابة إلى عصره، وفي آخره بخط جَعْفَر/ بن إدريس صاحبه: مات أبو عبد الله محمد بن يَزيد [في المخطوط خطأً: زيد] بن ماجه المعروف، يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان من سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وسمعته يقول: ولدتُ في سنة تسع ومائتين. ومات وله أربع وستون سنة، وصلَّى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أبو بكر وأبو عبد الله أخواه وابنه عبد الله.
          أخبرنا أبو زيد واقد بن الخليل القزويني الخطيب بالرَّي: أخبرنا والدي الخليل بن عبد الله الحافظ في كتاب قزوين، قال: ((أبو عبد الله محمد بن يزيد يعرف بـــ [ابن] ماجه مولى ربيعة، له سنن وتفسير وتاريخ، وكان عارفًا بهذا الشأن، ارتحل إلى العراقين: البصرة والكوفة، وبغداد ومكة والشام ومصر والرَّيِّ لكَتْب الحديث، مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين)). /
          أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميمي الفقيه _قدم علينا الرَّي حاجّاً_ أخبرنا عليَّ بن محمد بن نصر الدِّيْنَوَري، حدَّثنا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد المالكي، حدَّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن أحمد: حدَّثني أبو بكر محمد بن إسحاق الصُّولي قال: سمعت أبا يحيى زكريَّا بن يحيى السَّاجي يقول: ((كتاب الله ╡ أصل الإسلام، وكتاب السُّنن لأبي داود عهد الإسلام)).
          أخبرنا أبو القاسم علي بن عبد العزيز الخشَّاب بنيسابور: أخبرنا محمد بن عبد الله البَيَّع فيما أذن لنا، قال: سمعت أبا سليمان الخَطَّابي يقول: سمعتُ إسماعيل بن محمد الصفَّار يقول: سمعت محمد بن إسحاق الصَّغَاني يقول: ((لُيِّنَ لأبي داود السِّجِسْتَاني الحديث كما أُلِينَ لداودِ عليه الصَّلاة والسلامِ الحديدُ)).
          أخبرنا الحسن بن أحمد أبو محمد السمرقنديُّ مناولةً، أنبأنا أبو بِشْر عبد الله بن محمد بن محمد بن عَمْرو: حدَّثنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإِدريسي الحافظ، قال: ((محمد بن عيسى بن سَوْرة التِّرْمِذي الحافظ الضرير، أحد الأئمة الذين يُقتدى بهم في علم الحديث، صنَّف كتاب ((الجامع))، و((التواريخ))، و((العلل))، تصنيف رجل عالم متقن كان يُضرب به المثل في الحفظ)).
          قال الإِدريسي: سمعتُ أبا بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحارث المَرْوَزيَّ الفقيه يقول/: سمعتُ أحمد بن عبد الله بن داود المَرْوَزيَّ يقول: سمعتُ أبا عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول: ((كنتُ في طريق مكة، وكنتُ / قد كتبت جزءين من أحاديث شيخ، فمرَّ بنا ذلك الشيخ، فسألت عنه، فقالوا: فلان، فذهبتُ إليه، وأنا أظنُّ أنَّ الجزءين معي، وحملتُ معي في محملي جزءين كنتُ ظننت أنَّهما الجزآن اللَّذان له، فلمَّا ظفرتُ به، وسألته أجابني إلى ذلك، أخذتُ الجزأين، فإذا هما بياض، فتحيَّرت، فجعل الشيخ يقرأ عليَّ من حفظه، ثمَّ ينظر إليَّ، فرأى البياض في يدي فقال: أما تستحي مني؟! قلت: لا. وقصصت عليه القصة، وقلتُ: أحفظه كلَّه. فقال: اقرأ، فقرأت جميع ما قرأ على الولاء، فلم يُصدِّقني، وقال: استظهرتَ قبل أن تجيئني؟ فقلت: حدَّثني بغيره، فقرأ عليَّ أربعين حديثًا من غرائب حديثه، ثمَّ قال: هات اقرأ. فقرأت عليه من أوَّله إلى آخره، كما قرأ ما أخطأت في حرف، فقال لي: ما رأيت مثلك!)).
          أخبرنا أبو بكر الأديب، أخبرنا محمد بن عبد الله البيِّع إجازةً، قال: سمعت أبا الحسن أحمد بن محبوب الرَّملي بمكة يقول: سمعت أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيب النَّسَائِي يقول: ((لما عزمت على جمع كتاب السنن استخرتُ الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقَعَتْ الخِيَرةُ على تركهم، [فنزلتُ في] جملة من الحديث كنت أعلو(2) فيه عنهم)).
          سألت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزَنجاني بمكة، عن حال رجل من الرواة فوثَّقه، فقلت: إنَّ أبا عبد الرحمن النَّسَائِي ضعَّفه؟ فقال: ((يا بُنَي إنَّ لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطاً أشدَّ من شرط/ البُخَارِي ومسلم)).
          قرأت على أبي القاسم الفضل بن أبي حرب الجرجانيِّ بنَيْسَابور: أخبركم أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين الصوفي فيما أذن لك، / قال: سألتُ أبا الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِي الحافظ فقلت: إذا حدَّث محمد بن إسحاق بن خُزيمة وأحمد بن شعيب النَّسَائِي حديثًا من تُقَدِّمْ منهما؟ قال: ((النَّسَائي؛ لأنَّه أسند، على أنِّي لا أقدم على النَّسَائي أحداً، وإن كان ابن خُزيمة إمامًا ثبتًا معدوم النظير)).
          وقال: سمعت أبا طالب الحافظ يقول: ((من يَصبِر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن النَّسَائي، كان عنده حديث ابن لَهِيْعَة ترجمة ترجمة، فما حدَّث بها، وكان لا يرى أن يحدِّث بحديث ابن لَهِيْعَة)).
          سمعت أبا زكريا الحافظ يقول: سمعت عمِّي أبا القاسم الحافظ يقول: سمعت أبي الإمام الحافظ أبا عبد الله بن منده يقول: ((ما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي الحسين بن علي بن داود اليَزْديِّ النيسابوريِّ)).
          تمَّ وكمل بحمد الله وعونه، وصلواته على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وعترته وسلِّم تسليمًا كثيراً.
          [آخر الجواب والله الموفق للصواب.] /


[1] أوَّلَ من أدخل ابن ماجه في الكتب الستة الحافظ أبو الفضل ابن طاهر، في كتابيه: ((الأطراف وشروط الأئمة))، وتبعه الحافظ عبد الغني في كتاب ((الإكمال في أسماء الرجال))، ثمَّ مشى الأمر على ذلك، وكان من قبله يدخلون ((الموطأ)).
[2] في طبعة الشيخ عبد الفتاح ☼: فتركت جملة من الحديث كنت أعلو فيه... والغريب أنها في طبعة الكوثري كما أثبتنا!.