شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

إفراد المضاف إلى المثنى وتثنيته وجمعه

          ░66▒
          ومنها قولُ ابن عَبَّاسٍ ☻: (مَرَّ رسولُ اللهِ صلعم بحائطٍ من حِيطَانِ المدينةِ فسَمِعَ صَوتَ إنسانَينِ يُعَذَّبَانِ في قُبُورِهما). [خ¦216]
          وقولُه صلعم: «يَكفِيكَ الوَجْهُ والكَفَّينِ». [خ¦341]
          وقولُه: «فإذا فيها حَبَايِلُ(1) اللُّؤْلُؤِ». [خ¦349]
          وقولُ حَفْصَةَ لأُمِّ عَطِيَّةَ: (أَسَمِعْتِ النبيَّ(2) صلعم؟) قالت: (بأبي، / نَعَمْ). [خ¦324]
          وقولُ عُمَرَ ☺ آمِرًا(3) ببُنْيَانِ(4) المَسْجِدِ: (أَكِنَّ الناسَ/ مِن المَطرِ، وإيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ الناسَ). [خ¦8/62-735]
           وفي بعضِ النُّسَخ(5) بلا أَلِفٍ(6) قَبلَ الكافِ.
          قلتُ: في(7) (فسَمِعَ صوتَ إنسانَين) شاهدٌ على جَوَاز إِفرادِ المُضَافِ المثنَّى معنًى، إذا كانَ جُزْءُ ما أُضيفَ إليه مِن دَلِيلِ اثنَين، نحو: (أَكَلتُ رَأْسَ شاتَيْنِ).
          وجَمْعُه أَجوَدُ، نحو: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم:4].
          والتثنيةُ مع أَصالَتِها قليلةُ الاستعمالِ.
          وقد اجتَمَع التثنيةُ والجَمعُ في قَول الرَّاجز:
ومَهْمَهَينِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ(8)                      ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهورِ التُّرْسَينْ /
          فإنْ لم يكن المضافُ جُزْءَ ما أُضِيفَ إليه فالأكثرُ مجيئُه بلفظ التثنية، نحو: سَلَّ الزيدان سَيْفيهما(9).
          وإنْ أُمِنَ اللَّبْسُ جاز جَعْلُ المضافِ بلفظ الجمع، وفي (يُعذَّبانِ في قبورهما) شاهدٌ على ذلك، وكذا(10) قولُه صلعم لعَليٍّ(11) ☺: «إذا أخذتُما مَضَاجِعَكُما». [خ¦3113]
          وفي جَرِّ [مَنْ جَرَّ](12) (الوجهَ)/ من «يَكفِيكَ الوَجهِ والكَفَّين(13)» وَجْهَان:
          أَحدُهما: أن يَكونَ الأصلُ: يَكفِيكَ مَسْحُ الوجهِ والكَفَّين(14)، فَحُذِفَ المضافُ وبقيَ(15) المجرورُ به على ما كانَ عليه.
          والثاني: أن تَكونَ الكافُ حرفَ جَرٍّ زائدًا، كمَا هو في(16) {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]؛ أي: ليس مثلَه شيءٌ، لا بُدَّ من الحكم بزِيادتِه؛ لأنَّ عَدَمَ / زيادتِه يَستَلزِمُ ثبوتَ مِثلٍ لا شيءَ مثلَه، وذلك مُحالٌ.
          ومثلُ كافِ {كَمِثْلِهِ} كافُ {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}[الواقعة:23]، والكافُ في قول الراجز:
لَوَاحِقُ الأَقْرَابِ فِيهَا كالَمقَقْ
          يريدُ: فيها المَقَقُ؛ أي: الطُّولُ.
          ويَجوزُ على هذا الوجهِ رَفعُ (الكَفَّين(17) ) عَطْفًا على مَوضعِ (الوجه)؛ فإنَّه فاعلٌ.
          وإنْ رُفِعَ (الوجهُ)(18) _وهو الوجهُ(19) الجيِّدُ المشهورُ_ فالكافُ(20) ضميرُ المخاطَبِ، ويَجوزُ في (الكَفَّين) حِينئِذٍ الرفعُ بالعَطْفِ _وهو الأَجودُ_ والنصبُ على أنَّه مفعولٌ معه.
          وفي قول أُمِّ عطيهَ: (بأبي) أربعةُ أَوجهٍ: /
          أَحدُها: سَلَامةُ/ الهمزةِ، وسَلَامةُ الياءِ.
          والثاني(21) : إبدالُ الهمزة ياءً(22)، وسَلَامةُ الياء.
          والثالث: سَلَامةُ الهَمزة، وإبدالُ الياء أَلِفًا.
          والرابعُ: إبدالُ الهمزةِ ياءً، والياءِ أَلِفًا.
          وفي (أَكِنَّ الناسَ) ثلاثة أوجه(23) :
          - ثبوتُ الهمزة مفتوحةً، على أنَّ ماضِيَه (أَكَنَّ)، وهو أجودُ الأوجِه.
          - الثاني: حَذْفُ الهمزة وكسر الكاف، على أَنَّ أصلَه (أَكِنَّ)، وَحُذِفت(24) الهمزةُ تَخفيفًا على غير قِيَاسٍ، كمَا حُذِفت في (يَا بَا فُلانٍ)، و(لا بَا(25) لَكَ)، وفي / قِراءةِ ابنِ مُحَيْصِنٍ: ▬فَجَاءتْهُ احْدَاهُمَا↨.
          ونَظيرُ حَذْفِ همزة (أَكِنَّ) وصَيرُورَتِه (كِنَّ) قِراءةُ عَمرِو(26) بن عَبدِ الواحِدِ: ▬أَنِ اّْرْضِعِيهِ↨ بكَسرِ النونِ مَوصولةً بسكونِ الراءِ.
          وفي: (وإيَّاكَ(27) أَنْ تُحمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ) شاهدٌ على أنَّ الواوَ في (إيَّاك وأَنْ تَفْعَلَ) لا تَلزَمُ كمَا تَلزَمُ(28) في (إيَّاكَ والشَّرَّ)، لكنْ إذا لم تَثْبُت فالتَّقدير: إيَّاكَ مِنْ أَنْ تفعلَ، فَحُذِفَتْ (من)؛ لأنَّ حذفَ ما يَجرُّ / (أَنْ) و(أَنَّ) مُطَّرِدٌ. /
          - ويجوز أَنْ يقُال: (كُنَّ الناسَ(29) ) بضمِّ الكافِ، على أَنْ يَكونَ(30) مِن (كَنَّه) فهو مَكْنُونٌ؛ أَي: صانَه.
          ولم أُعَلِّلْ (كِنَّ) المكسورَ الكافِ بِمثل ما عَلَّلْتُ به المَضْمُومَها(31)؛ لأنَّه ثلاثيٌّ مَضَاعَفٌ مُتَعَدٍّ، فَبابُه الضمُّ، وما سُمِعَ فيه الكسرُ فشاذٌّ كـ: (حَبَّهُ يُـَــحِبُّه)، ولا يُقْدَمُ(32) عليه إلَّا بِنَقْلٍ. /


[1] بفتح الحاء المهملة بعدها باءٌ ثاني الحروف وبعد الألف ياءٌ آخر الحروف مكسورةٌ آخرها لامٌ، هكذا ضُبطت في أكثر الأصول، وهو موافقٌ لِما في صحيح البخاريِّ.، وضُبطت في (ب): (جَنَابِذُ) بفتح الجيم بعدها نونٌ وبعدَ الألف باءٌ ثاني الحروف مكسورةٌ آخرها ذال معجمة، وهو موافقٌ لما في صحيح البخاريِّ برقم: ░3342▒.
[2] في (ظ): (رسولَ الله).
[3] في (ظ): (لَمَّا أَمر)، وتصحَّفت في الأصل إلى: (أُمِرْنَا).
[4] في (ظ): (ببناء)، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[5] في (ظ) زيادة: (كِنَّ).
[6] تصحَّفت العبارة في (ج) إلى: (... النُّسَخ بالألف).
[7] لفظة: (في) ليست في (ج)، وفي (ظ) زيادة: (قولِه).
[8] ضُبطت في الأصل بوجهين: سكون الراء، وتشديدها مفتوحةً، وبالوجه الأول فقط ضُبطت في (ب) و(ظ)، وبالوجه الثاني فقط ضُبطت في (ج)، والوجه الثاني بتشديد الراء تثنية (مَرَّة) تصحيفٌ محضٌ، والمَرْتَين بسكون الراء تثنية (مَرْتٍ)؛ وهي الأرض الجَرداء التي لا ماءَ بها ولا نَبات، وهو المُطابِق للوصف الوارد في الشَّطر التالي.
[9] تصحَّفت في (ج) إلى: (سيفهما).
[10] بهامش (ظ) حاشية: (في الذي ليس بجزءٍ ممَّا أُضيفَ إليه مثل السَّيفَين) ا ه.
[11] في (ظ) زيادة: (وفاطمةَ) وأشار إلى عدم ثبوتها في نسخةٍ.
[12] ما بين المعقَّفتين ليس في الأصل، وأشار في (ظ) إلى ثبوتها في نسخةٍ.
[13] في الأصل: (واليدين)، وهو سَبقُ قَلَمٍ.
[14] في الأصل: (واليدين)، وهو سَبقُ قَلَمٍ.
[15] في (ظ) زيادة: (المُضَافُ إليه)، وهي في متن (ب) مُبدَلَةٌ بقوله بعدَها: (المجرورُ به).
[16] في (ظ) زيادة: (قولِه تعالى)، ولفظة: (في) تسلَّلت في (ج) إلى نصِّ الآية بعدَ {ليس}!.
[17] في (ظ): (اليدَين) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[18] في (ظ) زيادة: (على الرواية الأُخرى)، وهي مُلحَقةٌ بهامش (ب) كالتَّعليق، وقد ضُبطت لفظة: (الوجه) في اليونينية بالأوجه الثلاثة جَميعًا: رَفعًا وجرًّا ونصبًا.
[19] لفظة: (الوجه) ليست في الأصل.
[20] في (ج): (والكاف) بالواو.
[21] في الأصل: (الثاني) بلا عاطفٍ.
[22] في (ج): (إبدالُها ياءً).
[23] بهامش الأصل بخطٍّ متأخِّرٍ: (يُنظَر الثالثُ) ا ه؛ إشارةً إلى الوجه الثالث الذي ظنَّ المُطالِعُ المعلِّق أنَّ المؤلِّفَ قد أغفَلَ ذِكرَه، وليس كذلك؛ فقد ذكرَه المؤلِّفُ وسيأتي التنبيه إليه.
[24] في الأصل: (فحُذفت).
[25] في (ب): (لا أبَ)، وفي (ج) و(ظ): (لا بَ).
وبهامش (ظ) حاشية: (وَتَميمٌ تَقولُ: هَلَكَهُ يَهْلِكُهُ هَلْكًا، بمعنى أَهْلَكَهُ) ا هـ.
[26] كذا باتِّفاق الأصول، وقد تبِع المؤلِّفُ في ذلكَ ابنَ جِنِّي في (المحتسب)، والله أعلم. والمَعروفُ في اسم القارئِ المَقصود بالذِّكر: (عُمَر _بضمِّ العين وفتح الميم_ بن عبد الواحد ابن قيس السُّلَميُّ أبو حَفْص الدِّمَشقيُّ) وهو من ثقات المحدِّثين، وقد أَخَذ القراءةَ عن يحيى ابن الحارث الذِّمَاريِّ، توفي سنةَ مِئَتَين للهجرة، انظر لترجمته تهذيب الكمال: 21/ 448، وغاية النهاية: 1/ 594.
[27] في (ج): (فإيَّاكَ) بالفاء.
[28] في الأصل: (كمَا لَا تَلزَمُ)، والمثبَت من سائر الأصول _موافقًا لِما في النسخة القادرية_ موافقٌ لمذهب جماهير أئمة النحو في لزوم الواو للمحذور
[29] بهامش (ظ) حاشية: (يَجوزُ في النون من (كنَّ الناس) ثلاثة أوجهٍ: كَسرُها؛ لالتقاء الساكنَين.
وضَمُّها؛ إِتباعًا لِضَمَّة الكاف.
وفتحُها؛ للتَّخفيف. كما رُوِيَ قولُ الشاعر:
~فَغُضَّ الطَّرفَ إنَّكَ مِن نُمَيرٍفلَا كَعْبًا بَلَغْتَ ولَا كِلَابَا
بالأوجه الثلاثة) ا هـ.
[30] في (ب) و(ج): (تكون) بالتاء.
[31] في (ظ): (المضمومةَ) وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[32] من الإقدام، وضُبطت في الأصل: (لا يُقَدَّم)، بتشديد الدال؛ من التقدُّم.