شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

حذف لام جواب «لو»

          ░60▒
          ومنها قولُ جبريلَ ◙: «الحمدُ لِلَّه الذي هَدَاكَ، لو أَخَذتَ الخمرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ». [خ¦4709]
          وقولُ بعضِ الصَّحَابةِ ♥: (فَادْعُ اللهَ يَحْبسْـَـُها) (1). [خ¦1021]
          وقولُ البَرَاءِ(2) ☺: (إذا رَفَعَ رأسَه من الرُّكوعِ قامُوا قِيَامًا حتَّى يَرَوْنَه قَدْ سَجَدَ). [خ¦747]
          وقولُ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻: (إنِّي خَشِيتُ(3) أَنْ أُحْـــرِجَكم فتَمشُونَ في الطِّينِ). [خ¦901]
          وقولُ سَعْدٍ: (لقد اصْطَلَحَ أَهلُ هذهِ البُحَيرةِ(4) على أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَه). [خ¦6254]
          قلتُ: يظنُّ(5) بعضُ النحويين/ أَنَّ لامَ جوابِ (لو) في نحو: (لو فَعَلتَ لفَعَلتُ) لازِمةٌ.
          والصحيحُ جوازُ حَذْفِها في أَفصحِ الكلام المنثور، كقوله تعالى: {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ (6)}[الأعراف:155 / وكقوله تعالى: {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللهُ أَطْعَمَهُ}[يس:47].
          ومنه قولُ رجلٍ(7) لرسولِ اللهِ(8) صلعم: (وأَظُنُّ لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فهل لها مِنْ أَجْرٍ إنْ تَصَدَّقْتُ عنها؟) قال: «نعم». [خ¦1388]
          ويَجوزُ في (فادْعُ اللهَ يحبسْـُها) الجزمُ على جَعْلِه جَوَابًا للدُّعَاء؛ لأنَّ المعنى: إنْ تَدْعُه يَحبِسْها، وهو أَجْودُ الأَوجُهِ.
          ويَجوزُ الرفعُ على الاستئناف، كأَنَّه قال: ادْعُ اللهَ فهو يَحْبِسُها.
          ويجوز النصبُ على إضمار (أَنْ)، كأنَّه قال: ادْعُ اللهَ أَنْ يحبِسَها(9)، ومِثلُه قراءةُ الأَعمَش: ▬وَلَا تَمْنُنّ تَسْتَكْثِرُ ↨ (10)، وقولُ بعضِ العَرَب: (خُذِ اللِّصَّ قبلَ يأخُذَكَ)، وقولُ طَرَفَةَ: /
أَلَا أَيُّهذا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى                     وَأَنْ أَشْهَدَ(11) اللَّذَّاتِ هل أنتَ مُخلِدِي/
          وفي (قامُوا قِيَامًا حتَّى يَرَوْنَه قد سَجَدَ) إشكالٌ؛ لأنَّ (حتَّى) فيه بمعنى: (إلى أَنْ)، والفِعلُ مُستقبَلٌ بالنسبة إلى القيام، فحقُّه أن يكونَ بلا نونٍ؛ لاستحقاقه النصبَ، لكنَّه جاءَ على لغةِ مَن يَرفَعُ الفعلَ بعد (أَنْ)؛ حَملاً على (ما) أُختِها، كقراءة مُجاهِدٍ: ▬لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ↨ بضمِّ الميم، وكقولِ الشاعر:
يَا صَاحِبَيَّ فَدَتْ نفسي نُفُوسَكُما                     وحيثُما كُنتُما لُقِّيتُما رَشَدَا
إنْ تَحمِلَا حَاجَةً لي خَفَّ مَحْمَلُها                     تَسْتَوْجِبا مِنَّةً عِنْدِي بِها ويَدَا
أَنْ تَقْرَآنِ عَلى أَسماءَ وَيْحَكُما                     مِنِّي السَّلَامَ وأَنْ لا تُشْعِرَا(12) أَحَدَا
          وكقول الآخر(13) : /
أَبَى عُلَماءُ النَّاسِ أَنْ يُخْبِرُونَني                     بناطِقَةٍ خَرْسَاءَ مِسْواكُها حَجَرْ
          وإذا جازَ تَركُ إِعمالها ظاهرةً(14)، فتَركُ إِعمالها مُضمرةً أَولى بالجَوَاز.
          وقولُه: (خَشِيتُ أَنْ أُحْــرِجَكم فتَمْشُونَ) عَلى تَقدير: فأَنتم تَمشُونَ. ويَجوزُ أَن يَكونَ مَعطوفًا على (أَنْ أُحْرِجَكم) وتُرِكَ نصبهُ على اللغة التي ذَكَرتُها(15)، فيَكونُ الجَمعُ بينَ/ اللُّغَتَين في كَلامٍ واحدٍ بمنزلة قولِكَ: ما زيدٌ قائِمًا و لا عَمرٌو مُنطَلِقٌ. فتَجمَعُ(16) في كلامٍ واحدٍ بينَ اللُّغةِ الحِجَازِيَّة واللُّغةِ التَّمِيميَّة، وقد اجتمَع الإهمالُ والإعمالُ في البيت المبدوء بـ: (أَنْ تَقْرآنِ).
          والكلامُ على (فَيُعَصِّبُونَه) كالكلام على (فتَمشُونَ).
          وفي حديثِ الغَارِ: «فإذا وَجَدْتُهما رَاقِدَيْنِ قُمتُ على رُؤُوسِهما... حتَّى يَسْتَيْقِظَانِ مَتَى اسْتَيْقَظا»، وهو مثلُ: (حتَّى يَرَوْنَه قَدْ سَجَد). /


[1] ضبطت السين بالسكون، والضم، والفتح جميعًا.
[2] في (ظ) زيادة: (ابن عازِبٍ).
[3] تصحَّفت في (ج) إلى: (حسبت)، والذي في صحيح البخاريِّ: (كرهت).
[4] في (ج): (البَحْرَة)، وهو المثبَت في متن اليونينية، أمَّا المثبَت من سائر الأصول فموافقٌ لرواية أبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمستملي في هذا الحديث، كما في اليونينية.
[5] تصحَّفت في (ج) إلى: (نَظَر).
[6] في (ب) و(ظ) زيادة: ({وإياي}).
[7] بهامش (ظ) حاشية: (هو سَعْدُ بن عُبَادَةَ) ا ه، وانظر فتح الباري: 3/ 255، و5/ 389.
[8] في (ب) و(ظ): (للنبيِّ).
[9] في (ظ) زيادة: (عَنَّا).
[10] بهامش (ظ) حاشية: (وقرأ الحَسَنُ: {أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُوْنِي أَعْبُدَ} [الزمر:64] بالنصبِ، أي: أَنْ أَعبُدَ). ا ه.
[11] في (ج): (في نسخة: أحضر).
[12] في (ظ): (تُعْلِمَا) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[13] تصحَّفت في (ب) إلى: (الراجِز)
[14] في (ظ): (... تَركُ العَملِ مع ظهورها) وأشار بهامشها إلى ورود لفظة: (إعمالها) في نسخةٍ.
[15] بهامش (ظ) حاشية: (وهي إهمالُ: أَنْ) ا ه.
[16] في (ج) و(ظ): (فيُجمَعُ).