شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

توجيه الحديث: وإن بين عينيه مكتوب: كافر

          ░53▒
          ومنها قولُ النبيِّ(1) صلعم في حديث الدَّجَّال: «وإنَّ بين عينيه مكتوبٌ: كافرٌ»، وفي نسخة: «مكتوبًا كافرٌ». [خ¦7131]
          وقولُه صلعم: «لعلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عنها(2)». [خ¦216]
          وقولُه صلعم: «فإنَّ أحَدكم إذا صلَّى وهو ناعسٌ، لا يدري لعلَّه يستغفرُ فَيسُبُّ نفسَه». [خ¦212]
          وقولُ البَرَاءِ ☺: (رأيتُ رسولَ اللهِ(3) صلعم على بَغلته، وإنَّ أَبَا سُفْيَانَ(4) آخِذٌ بِزِمَامِها). [خ¦4317]
          وقولُ أُمِّ حَبِيبةَ ♦: (إنِّيْ كُنْتُ عَنْ هذا لَغَنِيَّةً). [خ¦1280]
          قلتُ: إذا رُفِعَ في حديث الدَّجَّال (مكتوبٌ) جُعِلَ اسْمُ (إنَّ) محذوفًا، وما بعد ذلك جملةً(5) من مبتدأٍ وخبرٍ في موضع رفعٍ خبرًا لـ: (إنَّ)، والاسم المحذوفُ إمَّا ضميرُ الشأن، وإمَّا ضميرٌ عائدٌ على الدَّجَّالِ.
          ونظيرُهُ _إن كان المحذوفُ ضميرَ الشأن_ قولُ النبيِّ صلعم في بعض / الروايات: «وإنَّ لِنَفْسِكَ حَقٌ» [خ¦1153]، وقولُه صلعم _بنقل مَنْ يُوثَق(6) / بنقلِه_ : «إنَّ مِنْ أَشَدِّ الناسِ عذابًا يومَ القيامة المُصَوِّرُون»، وقولُ بعض العرب: (إنَّ بكَ زيدٌ مأخوذٌ)، رواه سِيْبَوَيهِ عن الخليل، ومنه قولُ رجلٍ للنبيِّ صلعم(7) : «لَعَلَّ نَزَعَها عِرْقٌ» [خ¦5305]؛ أي: لعلَّها، ونظائره في الشعر كثيرةٌ.
          وإنْ كان الضميرُ ضميرَ الدَّجَّالِ، فنظيرُه روايةُ الأخفش: (إنَّ بكَ مأخوذٌ أَخَواكَ)، والتقدير: إنكَ بكَ مأخوذٌ أخواك، ونظيرُه من الشِّعر قولُه:
فليتَ دَفَعْتَ الهمَّ عنِّي سَاعَةً                     فَبِتْنَا على مَا خَيَّلَتْ(8) ناعِمَيْ بالِ
          أراد: فليتك، ومثله قول الآخر: /
فلو كنتَ ضَبِّياً عَرَفْتَ قرابتي                     ولكنَّ زِنْجِيٌّ عظيمُ المشافِرِ
          أراد: ولكنك زِنْجيٌّ، ويروى: ولكنَّ زِنْجياً، على حذف الخبر.
          ومَن روى: (مكتوبًا) فَيَحتَمِلُ أَنْ يكونَ اسمُ (إنَّ) محذوفاً على ما تقرَّرَ في رواية الرفع، و(كافرٌ) مبتدأٌ، وخَبرُه: (بين/ عينيه)، و(مكتوبًا) حالٌ.
          أو يُجعلُ (مكتوبًا) اسْمَ (إنَّ)، و(بين عَينيه) خبرًا، و(كافرٌ) خَبرُ مبتدأٍ، والتقدير: هو كافرٌ.
          ويجوز رفعُ (كافر) بـ: (مكتوب)، وجعلُه سادًّا مَسَدَّ خبرِ (إنَّ)، كما يقال: إنَّ قائمًا الزيدان، وهذا مِمَّا انفردَ(9) به الأَخْفَشُ.
          ويجوز في «لعلَّه أَنْ يُخَفَّفَ عنهــا(10)» إعادةُ الضميرين إلى الميت باعتبار كونه إنسَاناً، وباعتبار كونه نفساً.
          ونظيره في جعل أمرين متضادَّين لشيءٍ واحدٍ قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى}[البقرة:111]، فأفرد اسم (كان) باعتبار لفظِ (مَنْ)، وجَمع الخبرَ باعتبار المعنى.
          ويجوز كونُ الهاءِ من (لعلَّه) ضميرَ الشأن، ويكونُ الضميرُ من(11) «يُخفَّفُ / عنهُا(12)» ضميرَ النفس.
          وجاز تفسيرُ ضمير الشأن بـ: (أنْ) وصِلَتِها مع أنَّها في تقدير مَصْدَرٍ؛ لأنَّها في حُكم جُملةٍ؛ لاشتمالها/ على مُسنَدٍ ومسنَدٍ إليه، ولذلك سَدَّت مَسَدَّ مطلوبَي(13) (حَسِبَ(14) ) و(عَسَى) في نحو: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ}[البقرة:214]، وفي: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا}[البقرة:216].
          ويجوز في قول الأَخْفَشِ أن تكونَ (أَنْ) زائدةً مع كونِها ناصبةً، ونَظَّرَها(15) بزيادة الباء و(مِنْ) مع كونهما جَارَّتين.
          ومن تفسير ضمير الشأن بـ: (أَنْ) وصِلَتِها قولُ عمرَ ☺: (فما هو(16) إلَّا أَنْ سمعتُ أبا بكر تلاها فَعَــقِرْتُ حتى ما تُقِلُّني رِجْلَايَ). [خ¦4454]
          وفي(17) «لا يدري لعلَّه يستغفرُ فَيَسُـبَُّ(18) نفسَه» جوازُ الرفع باعتبارِ عطفِ الفعل على الفعلِ، وجوازُ النصب باعتبار جَعْلِ (فَيَسُبَّ(19) ) جوابًا / لـ: (لَعلَّ)، فإنَّها مثلُ (ليت) في اقتضائها جوابًا منصوبًا، وهو ممَّا خَفِي على أكثر النحويين.
          ونظيرُ جوازِ الرفعِ والنصبِ في (فيسبُّ نفسَه) جوازُهما في: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس:3-4]، نَصَبه/ عاصمٌ ورَفَعه الباقون، وفي: {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر:37]، نَصَبه حفصٌ ورَفَعه الباقون.
          وليس في حديث البَرَاءِ ☺ إلَّا وقوعُ (إنَّ) بعدَ (واو) الحال، وهو أحدُ المواضع التي يُستَحَقُّ فيها كَسْرُ (إنَّ).
          ونظيرهُ قولُه تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال:5].
          ومن نظائره الشعرية قولُ الشاعر:
سُئلتُ و إنِّي(20) مُوسِرٌ غيرُ باخلٍ                     فَجُدْتُ بما أَغنَى(21) الذي جاءَ سَائلا
          وفي (إنِّي كنتُ عن هذا لغَنيةً) دُخولُ لام الابتداء على خبر (كان) من / أجل أنَّها واسْمَها وخبرَها خبرُ (إنَّ).
          وفيه شُذوذٌ؛ لأنَّ خبرَ (إنَّ) إذا كان جُملةً فِعليةً؛ فموضع اللام(22) منها صدرُها، نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[النمل:74].
          وإذا(23) كانت اسميةً جاز/ تصديرها باللام(24)، كقول الشاعر:
إنَّ الكريمَ لَمَنْ يَرجُوه ذُو جِدَةٍ                     ولو تَعَذَّرَ إِيْسَارٌ وتَنْوِيلُ
          وتأخيرها، كقول الآخر:
فإنَّكَ مَنْ حَارَبتَه لَمُحَارَبٌ(25)                      شَقِيٌّ ومَنْ سَالَمتهُ لَسَعِيدُ
          فكان موضعُ اللام من (كنتُ عن هذا لَغَنيَّةً) صدرَ الجملة، لكنْ مَنَعَ من ذلك كونُه فعلاً ماضيًا متصرِّفًا، ومَنَع من مُصَاحَبَتِها أَوَّلَ المعمولَين كونُه ضميرًا متَّصلًا، فَتَعَيَّنَتْ مُصَاحَبتُها ثانيَ المعمولَين(26)، مع أنَّ (كان(27) ) صالحةٌ لتقدير السقوطِ؛ لصحَّة المعنى بدونها، فكأنَّ (غنيةً) بهذا الاعتبار خبرُ (إنَّ) فصحبته اللام لذلك. /


[1] في (ج): (رسول الله).
[2] الأصل و(ب): (عنهما) وهو موافق لما في الصحيح، والمثبت من (ج) و(ظ) أليق بإيراد المؤلف للحديث، وهو موافق لما سيردُ في أثناء كلامه.
[3] في (ظ): (النَّبيَّ).
[4] في (ظ) زيادة: (ابنَ الحارثِ).
[5] لفظة: (جملةً) ليست في (ظ).
[6] في (ظ): (بنقل موثوقٍ) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[7] العبارة في (ظ): (ومنه قوله ◙)، وهو خطأ.
[8] في (ظ): (خِلتَه).
[9] في (ظ): (تَفَرَّد)، ولم ينفرد الأَخفشُ بهذا المذهب بل وافقه عليه الكسائي والفرَّاء؛ انظر الأصول لابن السرَّاج: 1/ 232، وشرح الكافية الشافية للمؤلِّف: 1/ 478، وشرح الرضيِّ على الكافية: 1/ 226.
[10] في (ب): (عنهما).
[11] بهامش (ظ): (في نسخة: في).
[12] في (ب) و(ظ): (عنهما)، وانظر التعليق المتقدِّم في أوَّل هذا المبحث.
[13] في (ظ): (مَفعُولَي)، وهما بمعنًى واحدٍ.
[14] في (ظ): (حسبتُ) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[15] في (ظ): (ونظيرُها).
[16] بهامش (ظ): (حاشية: ضمير الشأن) ا ه.
[17] في (ظ): (في نسخةٍ زيادة: قولِه).
[18] بهامش (ظ): (حاشية: قوله: (يسبَُّ) بالرفع عَطفًا على الفعل، وبالنصب عَطفًا على معنى لعلَّ) ا ه.
[19] في (ب) و(ظ) زيادة: (نفسَه).
[20] بهامش (ظ): (حاشية: وقعت في موضع الحال، وهذه واو الحال) ا ه.
[21] في (ظ): (أُغْنِي) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[22] تصحَّفت في (ج) إلى: (السلام).
[23] في (ظ): (وإنْ) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[24] تصحَّفت في (ج) إلى: (بالسلام).
[25] في (ب): (لمحارِبٌ) بكسر الراء، وكلاهما صواب.
[26] في (ب): (المفعولين)، وهما بمعنًى واحدٍ.
[27] في (ظ): (كانتْ) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.