شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

استعمال «رجع» مثل «صار» معنى «صار» معنى وعملًا

          ░51▒
          ومنها قولُ النبيِّ صلعم: «لَا تَرْجِعُوا بعدي كُفَّارًا، يضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ».
          وقولُه صلعم: «لَا يتمنَّ أحدُكم الموتَ، إمَّا مُحْسِناً فلعلَّهُ يزدادُ، وإمَّا مُسِيئاً فلعلَّهُ يَسْتَعْتِبُ». [خ¦7235]
          وقولُه صلعم:/ «ليس صَلَاةٌ أَثْقَلَ على المنافقين مِنَ الفجرِ والعشاءِ». [خ¦657]
          وقولُ عُمرَ ☺: «ليس هذا أُرِيدُ». [خ¦525]
          وقولُ ابنِ عُمرَ ☻: «كانَ المسلمونَ حِينَ قَدِموا المدينةَ يَجتَمِعونَ، فَيَتَحَيَّنُونَ الصلاةَ ليسَ يُنَادَى لَها». [خ¦604]
          وقول السائب بن يزيد ☻: «كانَ الصاعُ على عَهدِ رسولِ الله صلعم مُدٌّ وثُلُتٌ». [خ¦7330]
          قلتُ: ممَّا خَفِيَ على أَكثرِ النحويين استعمالُ (رَجَعَ) كـ: (صَارَ) معنًى وعَملاً، ومنه قولُه صلعم: «لا تَرْجِعُوا بعدِي كُفَّاراً(1)»؛ أي: لا تصيروا، / ومنه قولُ الشاعرِ:
قد يَرْجِعُ المَرءُ بعدَ المَقْتِ ذَا مِقَةٍ                     بالحِلْم فَادْرَأْ به بَغْضَاءَ ذِي إِحَنِ
          ويجوز في (يضرب) الرفعُ والجزمُ(2).
          وقولُه صلعم: «إمَّا مُحسِنًا... وإمَّا مُسيئًا»، أصلُه: إمَّا يَكونُ(3) مُحسِنًا، وإمَّا يَكونُ مُسيئًا، فحَذَفَ (يكونُ) مع اسمِها مَرَّتين، وأَبقَى/ الخَبرَ، وأكثرُ ما يكون ذلك بعد (إنْ) و(لو)، كقول الشاعر:
انْطِقْ بحقٍّ وإنْ(4) مُسْتَخْرِجاً إِحَنًا                     فإنَّ ذا الحَقِّ غَلَّابٌ وإنْ غُلِبَا
          وكقولِه:
عَلمتُكَ مَنَّانًا فلَستُ بآملٍ                     نَدَاكَ ولو غَرْثَانَ ظَمْآنَ عَارِيَا /
          وفي «فلعلَّه يزدَادُ» و «فلعلَّه(5) يَستَعتِبُ»، شاهدانِ على مَجيءِ (لعلَّ) للرَّجاءِ المجَرَّدِ من التعليل.
          وأكثرُ مَجيئِها في الرَّجاءِ إذا كان معه تعليلٌ، نحوَ(6) : {وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة:189]، و {لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}[يوسف:46].
          وفي «ليس صلاةٌ أَثْقَلَ على المنافقين» بعضُ إشكالٍ، وهو أَنْ يُقالَ: (ليس) من أخوات (كان)؛ فيَلزَم أَنْ تُجرَى مُجرَاها في أَنْ لا يَكونَ اسمُها نَكِرةً إلَّا بِمُصَحِّحٍ، كالتخصيص، وتقديمِ ظَرفٍ، كما يَلزَمُ ذلك(7) في الابتداء.
          والجوابُ أَنْ يُقالَ: قد ثَبَتَ أَنَّ مِنْ مُصَحِّحَاتِ الابتداء بالنَّكِرةِ وُقُوعَه/ بعد نفيٍ، فلا يُستبعَدُ وُقُوعُ اسم (كان) المنفيَّةِ نَكِرةً مَحْضَةً، كقول الشاعر:
إذا لم يكنْ أَحَدٌ بَاقياً                     فإنَّ التَّأَسِّيْ دوَاءُ الأَسَىَ
          وأمَّا (ليس) فهي بذلك أَولى؛ لملازَمَتِها النَّفيَ، فلذلك كَثُرَ مَجيءُ اسمِها نَكِرةً مَحْضةً، كـ: (صلاةٍ) في الحديث المذكور، وكقول الشاعر:
كم قد رأيتُ وليس شيٌ باقياً                     مِنْ(8) زائرٍ طَرِفِ(9) الهَوَىَ ومَزُورِ
          وفي «ليس صلاةٌ أَثْقَلَ» شاهدٌ على استعمال (ليس) للنَّفيِ العامِّ المُسْتَغْرَقِ / به الجِنسُ، وهو ممَّا يُغْفَلُ(10) عنه(11)، ونظيرُه قولُه تعالى: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ}[الغاشية:6].
          ولك أَنْ تَجعلَ اسمَ (ليس) مِن (ليسَ هذا أُرِيدُ) ضميرَ الشأن(12)، و(أريدُ) خَبَرًا، و(هذا) مفعولًا مُقَدَّمًا، وأنْ تجعل (هذا) اسمَها، و(أُرِيدُ) خبَرَها.
          ولك أَنْ تَجعلَ (ليس) حرفًا لا اسْمَ لها ولا خَبَرَ، وفي قولِ/ ابن عُمَرَ ☻: (ليس يُنَادَى لها) شاهدٌ على استعمال (ليس) حرفًا لا اسْمَ لها ولا خَبَرَ، أَشارَ إلى ذلك سِيبَوَيْهِ، وحَمَل عليه قولَ بعضِ العرب: (ليسَ الطِّيبُ إلَّا المِسْكُ) بالرفع، وأَجازَ في قولهم: (ليس خَلَقَ اللهُ مِثلَه) حرفيَّةَ (ليس) وفعليَّـــتَها، على أن يكونَ اسمُها ضميرَ الشأن، والجملةُ بعدَها خبرٌ.
          وإنْ جُوِّزَ الوجهانِ في (ليس يُنادَى لَها(13) ) فغيرُ مُمتَنِعٍ.
          وأمَّا (كان الصَّاعُ... مُدٌّ وثُلُثٌ)، فالأَجوَدُ فيه جَعْلُ اسْمِ (كان) ضميرَ الشأن، ويكون (الصاعُ) مبتدأً، و(مُدٌّ وثُلُثٌ) خَبرَه، والجُملةُ خَبر (كان).
           [ويجوزُ أَنْ يَكونَ (مُدٌّ)(14) خَبرَ مبتدأٍ مَحذوفٍ، والجُملةُ خَبرَ (كان)](15)، والتقديرُ: كان الصاعُ قَدَرُهُ مُدٌّ وثُلُثٌ. /


[1] في (ظ): (في نسخة زيادة: يضرِبُ بعضُكم).
[2] بهامش (ظ): (حاشية: الأحسن الرفعُ؛ لأنَّه لو وُضعت (إنْ) قبلَ (لا) لَمَا صَحَّ المعنى؛ لقوله في الخلاصة: ~وشَرطُ جَزمٍ بعدَ نهْيٍ أَن تَضَعْ(إنْ) قبلَ (لا) دُونَ مُخالِفٍ يَقَعْ.
واختار الكِسائيُّ الجزمَ، ولم يلتفت إلى الشرط) ا هـ.
[3] في (ب): (تَكون) بالتاء في المواضع الثلاثة.
[4] بهامش (ظ): (في نسخة: ولو).
[5] تصحَّفت في (ج) إلى: (فاعله).
[6] في (ظ) زيادة: (قولِه تعالى).
[7] في (ج): (من ذلك).
[8] في (ج): (لَمِن)، وهو خطأ.
[9] في (ب) و(ظ): (طُرُقَ)، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[10] تصحَّفت في (ب) إلى: (يُعقَل).
[11] العبارة في (ظ): (وهو ممَّا يَغْفَلُ أَكثرُ النحويين)، كذا بإسقاط (عنه).
[12] في (ظ) زيادة: (والقصة).
[13] لفظة: (لها) ثابتةٌ في الأصل فقط.
[14] في (ظ) زيادة: (وثلثٌ).
[15] ما بين المعقَّفتين ليس في (ب).