شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

موافقة «اختص» للفعل «خصَّ» في عدم التعدي

          ░46▒
          ومنها قولُ عمر بن عبد العزيز ☺: (ولم يَخْتَصَّ قَوْمًا دُونَ مَنْ أَحْوَجُ إِليهِ) [خ¦57/17-4898]، كذا في بعضِ النُّسَخِ، وفي بعضِها: (مَنْ هو أَحْوَجُ).
          قلتُ: المشهورُ في (اختَصَّ) أَنْ يَكونَ مُوَافِقًا لـ: (خَصَّ) في التعدِّي إلى مفعولٍ، وبذلك جاءَ قولُه تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء}[البقرة:105]، وقولُ عُمَرَ بنِ عبد العزيز ☺: (ولم يَخْتَصَّ قَوْمًا).
          وقد يَكونُ (اختصَّ) مُطَاوِعَ (خَصَّ) فلا يَتَعدَّى، كقولِكَ: خَصَصْتُكَ بالشيءِ فاخْتَصَصْتَ به.
          وقولُه: (دُونَ مَنْ أَحْوَجُ إليهِ) أصلُه: دون مَنْ هو أَحْوَجُ إليه، فَحُذِفَ(1) العائدُ على الموصول، وهو مبتدأٌ مع كونِ الصِّلَة غيرَ مُستَطالَةٍ، وفيه ضَعْفٌ، وهو مع ذلك مُستعمَلٌ، ومنه قِراءةُ يَحيى بنِ يَعْمَرَ: ▬تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنُ↨ بالرفع؛ يُريدُ: على الذي هو أَحسَنُ. /
          ومِثلُه قولُ الشاعر:
لم أَرَ مِثلَ الفِتْيَانِ(2) في غِيَرِ(3) الـ                     أيـــامِ يَنْسَوْنَ مَا عَواقِبُها/
          أَرادَ: ما هو عواقبها.
          وقد اجتَمَعَ شاهدانِ في قولِ الآخَرِ:
لَا تَنْوِ إلَّا الَّذي خَيرٌ فمَا شَقِيَتْ                     إلَّا نُفُوسُ الأُلَى للشَّرِّ نَاوُونَا
          أراد: إلَّا الذي هو خيرٌ، و: هُم للشرِّ نَاوُونَا.
          فلو كانت الصِّلةُ مستطالةً لَحسُنَ الحذفُ، كقول بعض العرب: (مَا أَنَا بالذي قائلٌ لك سُوْءًا).
          ولو زادت الاستطالَةُ لَازْدادَ الحذفُ حُسْنًا، كقولِه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84]، والتقدير(4) : وهو الذي هو في السماءِ إلهٌ وفي الأَرض هو إلهٌ.
          ومن الحذف المستَحسَنِ للاستطالِة قولُ الأعشى: /
فأَنتَ الجَوَادُ وأَنتَ الَّذي                     إِذَا مَا النُّفُوسُ مَلأْنَ الصُّدُورَا
جَدِيرٌ بطَعْنَةِ يَومِ اللِّقَا                     ءِ تَضْرِبُ(5) مِنْها النِّسَاءُ النُّحُورَا /


[1] تصحَّفت في (ج) إلى: (بحذف).
[2] تصحَّفت في (ج) إلى: (القينان).
[3] في (ب) و(ج): (غَبنِ)، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية ولرواية الديوان، وأشار بهامش (ج) إلى ورود المثبَت في نسخةٍ، وهو موافقٌ لبعض روايات البيت.
[4] تصحَّفت في (ج) إلى: (القدير).
[5] في الأصل: (يضرب) بالياء، وضُبطت في (ظ): (تُضَرِّبُ) مع إسقاط همزة (اللِّقَاء).