شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

في تنازع الفعلين مفعولًا واحدًا

          ░44▒
          ومنها قولُ أبي شُرَيحٍ الخُزَاعي ☺: «سَمِعَتْ أُذُنَايَ وأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ النَّبِيَّ صلعم حينَ تَكَلَّمَ». [خ¦6019]
          قالَ: في هذا الحديثِ تَنازُعُ/ الفعلينِ مفعولاً واحداً، وإيثارُ الثاني بالعملِ؛ أعني (أبصَرَتْ)؛ لأنَّه لوْ كانَ العملُ لـ: (سَمِعَتْ) لكانَ التقديرُ: سمعتْ أذنايَ النَّبيَّ صلعم. وكانَ يلزمُ على مراعاةِ الفصاحةِ أن يُقالَ: (وأبصرتْهُ)، فإذا أُخِّرَ المنصوبُ وهو مُقدَّمٌ في النِّيةِ بَقِيتْ الهاءُ متصلةً بـ: (أبصرتْ)، ولم يجزْ حذفُها؛ لأنَّ حذفَها يُوهِمُ غيرَ المقصودِ.
          فإنْ سُمِعَ الحذفُ، معَ العلمِ بأنَّ العملَ للأولِ، حُكِمَ بِقُبْحِهِ، وعُدَّ منَ الضَّروراتِ.
          ومِنْ تنازعِ الفعلينِ وجعلِ العملِ للثَّاني قولُه تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}[الكهف:96].
          وفي الحديثِ المذكورِ شاهدٌ على أنَّه قدْ يتنازعُ منصوباً واحداً فِعْلَا فاعلينِ متباينينِ، فَيُستفادُ مِنْ: «سَمِعَتْ أُذُنَايَ وأبصرتْ عينايَ النبي صلعم» جوازُ: أَطْعَمَ زيدٌ وسَقَى محمدٌ جعفراً.
          وأكثرُ النحويينَ لا يعرفونَ هذا النوعَ مِنَ التَّنازعِ.
          ونظيرهُ قولُ الشَّاعرِ:/ /
أَصْبَتْ سُعَادُ وأَضْنَتْ زينبٌ عُمَرَا                     ولم يَنَلْ منهما عيناً ولا أَثَرَا
          وفي الحديثِ المذكورِ أيضاً اكتفاءُ (سَمِعَ) بالمفعولِ الأوَّلِ مُقَدَّراً، مع أنَّه اسْمُ ما لا يُدْرَكُ بالسمعِ، والأصلُ خلافُ ذلكَ.
          وَحَسَّنَ الحذفَ دِلالةُ (حين تكلَّم) على المحذوفِ، كما حَسَّنَه في قولِهِ تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} دلالةُ: {إِذْ تَدْعُونَ}[الشعراء:72]، على المحذوفِ(1)، فلنا أَنْ نجعلَ التقديرَ: هل يسمعونَ دُعاءَكم، فَحُذِفَ المضافُ، وهو مِنْ مدركاتِ السَّمعِ، وأُقيمَ المضافُ إليه مُقامَه، ولنا أن نجعلَ التقديرَ: هلْ يسمعونَكم داعينَ، واستُغني عن (داعين) لقيامِ (إذ تدعون) مقامَهُ.
          وكذا الحديثُ، لنا أن نُقدِّرَ: سَمِعَتْ أُذُناي كلامَ النَّبيِّ صلعم. ولنا أن نُقدِّرَ: سمعتْ أُذنايَ النبيَّ متكلماً. /


[1] قوله (كما حسنه... المحذوف) ليس في (ج).