شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

مسألة ثبوت ألف «يراك» بعد «متى» الشرطية

          ░3▒
          ومنها قولُ أبي جهلٍ _لعنهُ اللهُ تعالى_ لـصَفْوانَ(1) : (مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ) . [خ¦3950]
          قالَ: تضمَّنَ هذا الكلامُ ثبوتَ ألفِ (يراك) بعدَ (متى) الشَّرطيةِ، وكانَ حَقُّها أن تُحذفَ فيقالُ: متى يَرَكَ، كما قالَ اللهُ(2) تعالى: {إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا}[الكهف:39] وفي ثبوتِها أربعةُ أوجهٍ:
          أحدُها: أنْ يكونَ مضارعَ (راءَ) بمعنى (رأى)، كقولِ الشَّاعرِ:
إذا راءَنِي(3) أبدى بشاشةَ واصلٍ                     ويألفُ شَنْآنِي إذا كنتُ غائبا
          ومضارِعُه (يَراءُ) فجُزِمَ فصارَ (يَرَأُ) ثم أُبدلتْ همزتُهُ ألفاً، فثبتتْ في موضعِ الجَزْمِ، كما ثبتتِ الهمزةُ التي هي بدلٌ/ منها، ومثلُه: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} [النجم:36] / في وقفِ حمزةَ وهشامٍ.
          الثاني: أنْ تكونَ (متى) شُبِّهتْ بـ: (إذا) فأُهملتْ، كما شُبِّهتْ (إذا) بـ: (متى) فأُعملتْ، كقولِ النَّبيِّ صلعم لعليٍّ وفاطمةَ ☻: «إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ». [خ¦3705]
          وهو في النثر نادرٌ، وفي الشعر كثير، كقوله:
وإذا تُصبكَ خصاصَةٌ فَارْجُ الغنى                     وإلى الذي يُعطي الرغائبَ فارْغبِ
           ومن تشبِيِه (متى) بـ: (إذا) وإهمالِها قولُ عائشةَ ♦: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ). [خ¦713]
          ونظيرُ حَمْلِ (متى) على (إذا)، وحَمْلِ (إذا) على (متى) حَمْلُهم (إنْ) على (لو) في رفعِ الفعلِ بعدَها، وحَمْلُهم (لو) على (إنْ) في الجزمِ بها.
          فمنْ رفعِ الفعلِ بعدَ (إنْ) حَمْلاً على (لو) قراءةُ طلحةَ: ▬ فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ↨ بسكونِ الياءِ وتخفيفِ النُّونِ، فأثبتَ نونَ الرَّفعِ في فعلِ / الشَّرطِ بعدَ (إنْ) مُؤَكَّدَةً بـ: (ما) حملاً لها على (لو).
          ومِنَ الجزمِ بـ: (لو) حَمْلاً على (إنْ) قولُ الشَّاعرِ:/
لو تَعُذْ حينَ فَرَّ قومُكَ بي                     كُنتَ مِنَ الأمنِ في أعزِّ مكانِ
          ومثلُه:
لو يَشَأْ طارَ بهِ ذُو مَيْعَةٍ                     لاحِقُ الآطالِ نَهدٌ ذُو خُصَلْ
          ومثلُه قولُ الآخرِ:
تَامَتْ فُؤادَكَ لو يَحْزنْكَ ما صَنَعَتْ                     إحدى نساءِ بني ذُهْلِ بن شيبانَا
          الوجهُ الثالثُ: أنْ يكونَ أُجْرِيَ المعتلُّ مُجرى الصَّحيحِ، فأثبتَ الألفَ واكتفى بتقديرِ حذفِ الضمَّةِ التي(4) كانَ ثُبوتُها منويًّا في الرَّفعِ، ونظيرُهُ قولُ الشَّاعرِ:
وتَضحكُ مني شيخةٌ عَبْشَميةٌ                     كأنْ لمْ ترىَ قبلِي أسيراً يمانيَا /
          ومثلُه قولُ الرَّاجزِ(5) :
إذا العجوزُ غَضِبتْ فطلِّقِ                     ولا تَرَضَّاهَا ولا تَمَلَّقِ
          ومِنْ هذا _على الأظهرِ_ قولُ النَّبيِّ صلعم: «مَنْ أكلَ مِنْ هذهِ الشَّجرةِ فلا يَغْشانا» [خ¦854]، وجَعْلُ الكلامِ خبراً بمعنى/ النَّهي جائزٌ.
          وأكثرُ ما يَجري المعتلُّ مَجرى الصحيح فيما آخره ياءٌ أو واوٌ.
          فمنْ ذلكَ قراءةُ قُنْبُلٍ: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِي وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:90].
          وكذا قولُ الشَّاعرِ:
ألمْ يأتِيكَ والأنباءُ تَنْمي                     بما لاقتْ لَبونُ بَني زيادِ
          ومنهُ قولُ عائشةَ ♦: (إنْ يَقُمْ مَقامَكَ يبكيْ). [خ¦712]
          وقولُ رسولِ اللهِ صلعم في إحدى الروايتين: «مُرُوا أبا بكرٍ فَلْيُصلِّيْ بالناس». [خ¦664]
          ومنْ مجيئه فيما آخره واو قولُ الشَّاعرِ: /
هجوتَ زبَّانَ ثُمَّ جئتَ مُعتذرًا                     مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لم تَهْجُو ولم تَدَعِ
          الوجهُ الرَّابعُ: أنْ يكونَ مِنْ بابِ الإشباعِ، فتكونُ الألفُ متولدةً عنْ فتحةِ الرَّاءِ بعدَ سقوطِ الألفِ الأصليةِ جزماً، وهي لغةٌ معروفةٌ _أعني إشباعَ الحركاتِ الثَّلاثِ وتوليدَ الأحرفِ الثَّلاثةِ بعدَها_ فمنْ ذلكَ قراءةُ أبي/ جعفرٍ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ آسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ}[المنافقون:6] بمدِّ الهمزةِ، والأصلُ: (اّْستغفرت) بهمزةِ وصلٍ، ثُمَّ دخلتْ همزةُ الاستفهامِ فصارَ: (أَستغفرتَ) بالقطعِ والفتحِ والقصرِ، مثلُ: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ}[الصافات:153]، وسقطتْ همزةُ الوصلِ سقوطاً لا تقديرَ معهُ، كما يُفعلُ بها بعدَ واوِ العطفِ وفائِهِ، وأُشبعتْ فتحةُ همزةِ الاستفهامِ، فتولَّدتْ بعدها ألفٌ، كما قالوا: (بينا زيدٌ قائمٌ جاءَ عمرٌو)، يريدونَ: بينَ أوقاتِ قيامِ زيدٍ جاءَ عمرٌو، فأُشبعتْ فتحةُ النُّونِ وتولَّدتِ الألفُ.
          وحكى الفرَّاءُ عن بعضِ العربِ: (أكلتُ لَحْما شاةٍ)، يريدُ: لحمَ شاةٍ، فأشبعَ فتحةَ الميمِ وتولدتِ الألفُ.
          ومنْ إشباعِ الفتحةِ قولُ الفرزدقِ:
فظلَّا يخيطانِ الوَرَاقَ عليهمِا                     بأيديْهِما مِنْ أَكْلِ شَرِّ طعامِ /
          ومثلُهُ:
فأنتَ مِنَ الغوائلِ حينَ تُرمَى                     ومِنْ ذَمِّ الرِّجالِ بمُنْـــتَزَاحِ/
          ومثله:
أقولُ إذْ خَرَّتْ على الكَلْكالِ                     يَا نَاقَتَا مَا جُلْتِ مِنْ مَجالِ
          ومثلُ ذلكَ في الياءِ روايةُ أحمدَ بنِ صالحٍ عن ورشٍ: ▬مَلِكِي يَوْمِ الْدِّيْن↨.
          ومنهُ قولُ الشَّاعرِ:
تَنفي يداها الحصى في كُلِّ هاجرةٍ                     نفيَ الدَّراهيمِ تنقادُ الصَّياريفِ
          ومثلُ ذلكَ في الواوِ قراءةُ الحسنِ: ▬سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ↨ بإشباعِ ضمَّةِ الهمزةِ، ومثلُه روايةُ أحمدَ بنِ صالحٍ عن ورشٍ: ▬إِيَّاكَ نَعْبُدُو وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ↨، بإشباعِ ضمَّةِ الدَّالِ، ومنهُ قولُ / الشَّاعرِ:
وأنني حَوْثُما يُشْرِي الهوى بصري                     مِنْ حَوْثُما سلكُوا أدنُو فأَنْظُورُ
          هكذا رواه ابنُ الأعرابي (يشري) بشين معجمة، أي: يُقلقُ ويُحركُ (من شَرِيَ البرق إذا تتابع لَمَعانُه)(6) ومثله:
عَيْطاءُ جَمَّاءُ العِظامِ عُطْبُولْ                     كَأنَّ في أنيابها القَرَنْفُولْ /


[1] كذا باتفاق الأصول، وصوابه: (لأبي صفوان) وهو أمية بن خلف.
[2] لفظ الجلالة ليس في (ج).
[3] في (ج): «رءاني»: تحريف.
[4] في (ج): الذي.
[5] في (ج): ومنه قول الشاعر.
[6] ما بين القوسين ليس في الأصل و(ب).