شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

وقوع خبر كاد مقرونًا بـ «أن»

          ░35▒
          ومنها قول عمر ☺: «مَا كِدْتُ أَنْ أُصليَ العصرَ حتى كادتِ الشمسُ تغربُ». [خ¦641]
          وقول أنس(1) : «فما كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إلى منازلنا». [خ¦1015]
          وقول بعض الصحابة: «والبُرْمَةُ بين الأثافي قد كادت أَنْ تَنْضَجَ». [خ¦4101]
          وقولُ جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ: «كادَ قلبي أَنْ يَطيرَ». [خ¦4854]
          قال: تضمَّنت هذه الأحاديثُ وُقُوعَ خبرِ (كاد) مقروناً بـ: (أن) وهو ممَّا خفي على(2) أكثر النحويين، أعني وُقُوعَه في كلامٍ لا ضرورةَ فيه.
          والصحيحُ جوازُ وُقُوعه.
          إلَّا أنَّ وُقُوعَه غيرَ مقرون بـ: (أن) أكثرُ وأشهرُ من وقوعه مقروناً بـ: (أن)؛ ولذلك لم يقع في القرآن/ إلَّا غيرَ مقرونٍ بـ: (أنْ)، نحو: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ}[البقرة:71]، و{لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}[النساء:78 / و{كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ}[التوبة:117]، و{لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ (3)} [الإسراء:74]، و{أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15]، و{يَكَادُونَ يَسْطُونَ}[الحج:72]، و{يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ}[النور:43].
          ولا يمنعُ عدمُ وُقُوعِهِ في القرآن مقروناً بـ: (أَنْ) من استعماله قياساً لو لم يرد به سماعٌ؛ لأنَّ السَّببَ المانعَ من اقترانِ الخبرِ بـ: (أَنْ) في بابِ المقاربةِ هو دِلَالةُ الفعلِ على الشُّروعِ، كـ: (طَفِقَ) و(جَعَل)، فإنَّ (أَنْ) تقتضي الاستقبال، وفعل الشروع يقتضي الحال، فتنافيا.
          وما لا يدلُ على الشُّروعِ كـ: (عَسى) و(أوشك) و(كَرَبَ) و(كاد) فمقتضاهُ مُسْتَقبلٌ، فاقترانُ(4) خبره بـ: (أَنْ) مُؤكِّدٌ لمقتضاه، فإنَّها تقتضي الاستقبالَ، وذلك مطلوبٌ، فمانعُه مغلوبٌ.
          فإذا انضمَّ إلى هذا التعليلِ استعمالٌ فصيحٌ ونقلٌ صحيحٌ، كما في الأحاديثِ المذكورةِ، تأَكَّدَ الدليلُ، ولم يُوجَدْ لمخالفتِهِ/ سبيلٌ.
          وقدْ اجتمعَ الوجهانُ في قولِ عمرَ ☺: «مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ العصرَ حتى كادتِ الشمسُ تغربُ»، وفي قول النبي صلعم فيما رويته(5) بالسَّند المتصل: «كادَ الحسدُ يغلبُ القَدَرَ، وكادَ الفَقْرُ أَنْ يكونَ كفراً». /
          ومِن الشَّواهدِ الشعريةِ في هذهِ المسألةِ قولُ الشَّاعرِ:
أَبَيْتُم قَبُولَ السِّلْمِ مِنَّا فَكِدْتُمُ                     لدى الحربِ أَنْ تُغْنُوا السيوفَ عن السَّلِّ
          وهذا الاستعمال مع كونه في شعرٍ ليس بضرورةٍ(6)، لتمكُّن مُسْتَعملِهِ من أَنْ يقول:
أَبَيْتُم قَبُولَ السِّلْمِ مِنَّا فَكِدْتُمُ                     لدى الحرب تُغنونَ السيوفَ عن السَّلِّ
          وأنشد سيبويه: /
فلم أرَ مِثْلها(7) خُبَاسَةَ واحِدٍ                     ونَهْنَهْتُ نفسي بعد ما كِدْتُ أَفْعَلَهْ
          وقال: أراد: بعد ما كدتُ أَنْ أفعله، فحذف (أَنْ)، وأبقى عملَها.
          وفي هذا إشعارٌ باطِّرادِ اقترانِ(8) خبرِ (كاد) بـ: (أَنْ)؛ لأنَّ العاملَ/ لا يُحْذَفُ ويبقى عملُه إلَّا إذا اطَّردَ ثُبوتُه. /


[1] في (ب) و(ج): (أنيس)، وضبب عليها في (ب) وأصلحها في الهامش.
[2] في (ج): (عن).
[3] زاد في (ب): {شيئًا قليلًا}.
[4] في (ج): (باقتران).
[5] في (ج): (فيما رويناه).
[6] قوله: (بضرورة) ليس في (ج).
[7] في (ب): (مِثْلَيْها).
[8] قوله: (باقتران) ليس في (ج).