شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

إضافة العدد إلى جمع القلة والكثرة

          ░29▒
          ومنها قولُ رسولِ اللهِ صلعم: «لو أَنَّ نهراً ببابِ أحدكم يغتسل فيه كُلَّ يومٍ خَمْسَ مراتٍ، ما تقولُ: ذلكَ يُبْقي مِنْ دَرَنه؟». [خ¦528]
          وقولُ حُمرانَ: «ثم أدخلَ يمينه في الإناء... ثلاثَ مِرارٍ» [خ¦159]؛ يعني عثمان/ ☺.
          وقولُ عائشة ♦: «ثم يَصُبُّ على رأسه ثلاثَ غُرَفٍ». [خ¦248]
          قال: حكمُ العدد من ثلاثة إلى عشرة في التذكير، ومن ثلاث إلى عشر في التأنيث أن يُضَافَ إلى أحد جموعِ القِلة الستة، وهي: أَفْعُلٌ، وأفعالٌ، وفِعْلَةٌ، وأَفعِلَةٌ، والجمع بالألف والتاء، وجمع المذكر السالم.
          فإن لم يُجمع المعدودُ بأحد هذه الستة جِيءَ بَدَلَهُ بالجمع المستعمل، كقولك: ثلاثةُ سِبَاعٍ، وثلاثةُ لُيوثٍ.
          ومنه قولُ أم عطية ♦: «جَعَلْنَ رأسَ بنتِ رسولِ اللهِ صلعم ثلاثةَ قرونٍ». [خ¦1260]
          فإنْ كان للمعدود جمعُ قلة، فأضيف إلى جمع كثرةٍ لم يُقسْ عليه، كقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}[البقرة:228]، فأُضيف (ثلاثة) إلى (قروء) وهو جمعُ كثرةٍ مع ثبوت (أقراء) وهو جمعُ قلَّة، ولكنْ لا عدولَ عن الاتباع / عند صحة السماع.
          ومن هذا القبيل قولُ حُمْرانَ: «ثم أدخل يمينه في الإناء... ثلاثَ مِرَارٍ». فإنَّ (مراراً) جمع كثرة، وقد أضيف/ إليه (ثلاثٌ) مع إمكان الجمع بالألف والتاء، وهو من جموع القلة، فـ (ثلاث مرار) نظيرُ (ثلاثة قروء).
          وأمَّا قولُ النبيِّ صلعم: «يغتسلُ فيه كلَّ يومٍ خمس مرات» فواردٌ على مقتضى القياس؛ لأنَّ الجمعَ بالألف والتاء جمعُ قلةٍ.
          وأمَّا قولُ عائشةَ ♦: «ثم يَصُبُّ على رأسِه ثلاثَ غُرَفٍ» فالقياس عند البصريين أن يُقال: (ثلاث غَرَفَاتٍ)؛ لأنَّ الجمع بالألف والتاء جمعُ قلة، والجمع على (فُعَلٍ) عندهم جمعُ كثرة.
          والكوفيون يُخالفونهم، فيرون أنَّ (فُعَلاً) و(فِعَلاً) من جموع القِلة. ويَعْضُدُ قولَهم قولُ عائشة ♦: (ثلاثَ غُرَفٍ)، وقول الله تعالى: {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ} [هود:13] ويعضُد قولهم في (فِعَلٍ) قوله تعالى: {عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27] فإضافة ثلاثٍ إلى غُرَفٍ، وعشرٍ إلى سورٍ، وثمانٍ إلى حِجَجٍ مع إمكان الجمع بالألف والتاء دليلٌ على أَنَّ (فُعَلاً) و(فِعَلاً)/ جَمْعَا قِلَّهٍ؛ للاستغناء بهما عن الجمع بالألف والتاء.
          والحاصلُ أَنَّ (ثلاثَ غُرَفٍ) إنْ وُجِّهَ على مذهب البصريين أُلْحِقَ بـ: (ثلاثة قُروءٍ)، وإن وُجِّهَ على مذهب الكوفيين فهو واردٌ على مقتضى القياس.
          وأمَّا قوله صلعم: «ما تقول ذلك يُبْقي من دَرَنِهِ؟» ففيه شاهد على إجراء فِعْلِ القول مُجْرَى فعلِ الظن على اللغة المشهورة، والشرط فيه أن يكونَ فعلاً مضارعاً مُسْنَداً إلى المخاطب، متصلاً باستفهامٍ، نحو: /
متى تَقولُ: القُلُصَ الرَّواسِمَا                     يَحْمِلْنَ أُمَّ قاسِمٍ وقَاسِمَا
          ومنه الحديثُ المذكورُ؛ لأنهَّ قد تقدَّم فيه (ما) الاستفهامية ووليها فعل القول مضارعاً مُسنداً إلى المخاطب، فاستحق أَنْ يعملَ عملَ فِعْلِ الظنِّ. فـ: (ذلك) في موضع نصبٍ مفعولٌ أول، و(يُبقي)(1) في موضع نصبٍ مفعولٌ ثانٍ، و(ما) الاستفهاميه/ في موضع نصب بـ: (يُبقي)، وقُدِّمَ لأنَّ الاستفهامَ له صدرُ الكلام، والتقدير: أيَّ شيءٍ تظن ذلك الاغتسالَ مُبقياً(2) من درنه؟!
          وأشرتُ بقولي: (على اللغة المشهورة) إلى لغة سُلَيم، فإنَّهم يُجرون أفعال القول كُلَّها مُجْرَى (ظن) بلا شرطٍ، فيجوز على لغتهم أَنْ يُقالَ: (قلتُ زيداً منطلقاً) ونحو ذلك.
          ومن إجراء فعل القول مُجرى فعل(3) الظن على اللغة المشهورة قولُ النبي صلعم: «آلِبرَّ تقولون بهنَّ؟!» [خ¦2034]؛ أي: البرَّ تظنون بهنَّ؟!.
          وفي رواية عائشة ♦: «آلبِـــرَّ تُرَوْن بِهِنَّ؟!» [خ¦2023]. ومعنى (تُرون) أيضاً (تظنون)، فـ: (البرَّ) مفعول أول، و(بهنَّ) مفعول ثانٍ، وهما في الأصل مبتدأ وخبر. /


[1] في (ج): (يُنقي) في هذا الموضع والآتي.
[2] في (ج): (منقياً).
[3] قوله: (فعل) ليس في الأصل.