شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

استعمال «دنيا» نكرة بتأنيث

          ░25▒
          ومنها قولُ رسولِ اللهِ صلعم: «وَمَنْ كانت هجرتُه إلى دُنيا يُصيبها أَوِ امْرأةٍ يَتَزَوَّجُها». [خ¦54]
          وقولُ أبي ذَرٍّ ☺: «وَلَا وَاللهِ لَا أَسْألُهم دُنيا ولا أسْتَفْتِيهم عن دينٍ حتى ألقى الله تعالى». [خ¦1408]
          قال: (دُنيا) في الأصل مؤنث (أَدْنَى)، و(أَدْنَى) أفعلُ تفضيلٍ، وأفعلُ التفضيلِ إذا نُكِّرَ لَزِمَ الإفرادَ والتذكيرَ، وامتنع تأنيثُه وتثنيتُه وجمعُه.
          ففي استعمال (دنيا) بتأنيثٍ، مع كونه مُنَكَّراً، إشكالٌ، فكانَ حَقُّهُ أنْ لا يُستعملَ(1)، كما لا تُسْتعمل (قُصْوَى) ولا (كُبْرَى). إلَّا أنَّ (دنيا) خُلِعَتْ عنها الوصفية غالباً، وأُجْرِيتْ مُجْرَى ما لم يكن قَطُّ وصَفْاً ممَّا وزنه فُعْلَى، كـــ: (رُجْعَى) و(بُهْمَى).
          ومن وُرُوده مُنَكَّراً مؤنَّثاً(2) قولُ الفرزدق/:
لَا تُعْجِبَنَّك دُنْيَا أنتَ تاركُها                     كَمْ نَالَها مِنْ أُنَاسٍ ثُمَّ قَدْ ذَهَبُوا
          ومما عُوِملَ مُعاملةَ (دُنيا) في الجمع بين التنكير والتأنيث، والأصلُ أن لا يكونَ، قولُ الشاعر: /
وإنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ                     يوماً سَراةَ كِرامِ الناس فَادْعينَا
          فإنَّ (الجُلَّى) في الأصل مؤنثُ (الأَجَلِّ) ثم خُلِعَتْ عنه الوصفية، وجُعلَ اسماً(3) للحادثةِ العظيمة، فجرى مَجرى الأسماء التي لا وصفيةَ لها في الأصل. /


[1] في (ب): (يستعمل) بالياء، وأهملت في (ج) للدلالة على الياء والتاء معاً.
[2] في (ج): (مؤنثاً منكراً).
[3] قوله: (اسماً) ليس في الأصل.