شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

وقوع التمييز بعد «مثل»

          ░20▒
          ومنها قولُ رسول اللَّهِ صلعم: «لو كان لي مثلُ أُحُدٍ ذهباً ما يَسُرُّني أَنْ لَا يَمُرَّ عليَّ ثلاثٌ وعندي منه شيٌ». [خ¦2389]
          قلتُ: تضمَّنَ هذا الحديثُ ثلاثةَ أشياءَ:
          أحدُها _وهو أسهلُها_ : وُقُوعُ التمييزِ بعدَ (مثل)، ومنه: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:109]، و(على التمرة مثلُها زُبْداً).
          ومنه قولُ الشَّاعرِ:
ولو مثلُ تُرْبِ الأرضِ دُرَّاً وعَسْجَداً                     بذلتُ لوجهِ اللهِ كان قليلا
          والثاني: وُقُوعُ جوابِ (لو) مضارعاً منفيًّا بـ: (ما)، وَحقُّ جوابِها أنْ يكونَ ماضياً مُثْبتاً، نحو: (لو قامَ لقمتُ)، أو منفياً / بـ: (لم)، نحو: (لو قامَ لمْ أقمْ).
          وأمَّا الفعلُ الذي يليها فيكون مضارعاً مُثْبَتاً، ومنفيّاً بـ: (لم)، وماضياً مُثبتاً، نحو: (لو يقومُ لقمتُ)، و(لو لم يقم لقمت) و(لو قُمتَ لقمتُ).
          قلنا: في وقوع المضارع في هذا الحديث جوابان:
          أحدُهما: أن يكونَ وُضِعَ المضارعُ موضعَ الماضي الواقعِ جواباً، كما وُضِعَ مَوضِعَه وهو شرطٌ، / كقوله تعالى: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7]، والأصل: لوْ أطاعكم. فكما وقع (يطيع) موقع (أطاع) وهو شرط، وَقَعَ (يَسُرُّني) موقع (سَرَّني) وهو جوابٌ.
          الثاني: أن يكونَ الأصلُ: (ما كان يَسُرُّني)، فَحُذِفَ (كان) وهو جوابُ (لو)، وفيه ضميرٌ هو الاسم، و(يَسُرُّني) خبرٌ.
          وحذفُ (كان) مع اسمها وبقاءُ خبرها كثيرٌ في نثر الكلام ونظْمِه.
          فمن النَّـــثر: قولُ النَّبي صلعم: «المرءُ مَجْزيٌّ بعمله، إنْ خيراً فخيرٌ، وإنْ شرًّا فَشَرٌّ»؛ أي: إنْ كان عملُه خيراً فجزاؤُه خيرٌ، وإنْ كان عملُه شرَّاً فجزاؤهُ شرٌّ.
          ومِنَ النَّظمِ: قولُ/ الشَّاعرِ:
حَدِبَتْ عليَّ بُطونُ ضَبَّةَ كُلُّها                     إنْ ظالماً فيهم وإنْ مظلومَا
          أي: إنْ كنتُ ظالماً فيهم، وإنْ كنتُ مظلوماً. /
          وأشبهُ شيءٍ بحذف (كان) قبل (يَسُرُّنِي) حذفُ (جَعَلَ) قبل (يُجادِلُنَا) في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود:74]؛ أي: جعل يجادِلُنا في قومِ لوطٍ؛ لأنَّ (لَمَّا) مُساويةٌ لـ (لو) في استحقاق جوابٍ بلفظ الماضي، فلما وقع المضارعُ في موضع الماضي دَعَتِ الحاجةُ إلى أحد أمرين: إمَّا تَأَوُّلُ المضارعِ بماضٍ، وإمَّا تقديرُ ماضٍ قبلَ المضارع، وهو أولى الوجهَين، والله أعلم.
          الثالث: وُقوعُ (لا) بين (أَنْ) و(يَمُرَّ)، والوجهُ فيه أن تكونَ (لا) زائدةً، كما هي في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ}[الأعراف:12]؛ أي: ما منعك أَنْ تسجدَ؛ لأنَّه امتنع من ثُبوتِ السجودِ لا من انتفائه. وكذا/ (مَا يَسُرُّني أَنْ لا يَمُرَّ) معناه: ما يَسُرُّني أَنْ يَمُرَّ، و(لا) زائدة. /