شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

ثبوت خبر المبتدأ بعد «لولا»

          ░17▒
          ومنها قولُ النبيِّ صلعم: «يا عائشةُ، لولا قُومُكِ حديثُو عَهْدٍ بكفرٍ لَنَقَضْتُ الكعبةَ فجعلت لها بابين».
          ويروى: «حديثٌ عهدُهم بكفرٍ». [خ¦126]
          قال: تضمَّن هذا الحديثُ ثُبوتَ خبر المبتدأ بعد (لولا) أعني قوله: «لولا قومُكِ حديثُو عهدٍ بكفر»، وهو ممَّا خفي على النحويين إلَّا الرُّمَّاني وابن الشجري، وقد يُسِّرَتْ(1) لي في هذه المسألة زيادةٌ على ما ذكراهُ، فأقول/ وبالله أستعين:
          إنَّ المبتدأَ المذكورَ بعد (لولا) على ثلاثة أضربٍ:
          مُخْبَرٌ عنه بكونٍ غيرِ مُقَيَّدٍ.
          ومُخْبَرٌ عنه بكونٍ مُقَيَّدٍ لا يُدرَكُ معناه عند حذفه.
          ومُخْبَرٌ عنه بكونٍ مُقيَّدٍ يُدْرَكُ معناه عند حذفه.
          فالأول، نحو: (لولا زيدٌ لزارنا عمرٌو). فمثلُ هذا يلزمُ حذفُ خبره؛ لأنَّ المعنى: لولا زيدٌ على كُلِّ حَالٍ من أحواله لزارنا عمرو، فلم تكن(2) حالٌ من أحواله أولى بالذكر من غيرها، فلزمَ الحذفُ لذلك؛ وَلمِا في الجملة من الاستطالة المُحْوِجَة إلى الاختصار. /
          الثاني: وهو المُخْبَرُ عنه بكونٍ مقيدٍ، ولا يُدرَكُ معناه إلَّا بذكره، نحو: (لولا زيدٌ غائبٌ لم أَزُرْكَ)، فخبر هذا النوع واجبُ الثبوتِ؛ لأنَّ معناه يُجْهَلُ عند حذفه.
          ومنه قول النبي صلعم: «لولا قومُكِ حديثُو عهدٍ بكفرٍ»، أو «حديثٌ عهُدهم بكفرٍ»؛ فلو اقْتُصِرَ في مثل هذا على المبتدأ لَظُنَّ أنَّ المرادَ:/ لولا قومُكِ على كُلِّ حالٍ من أحوالهم لنقضتُ الكعبة، وهو خلافُ المقصودِ؛ لأنَّ من أحوالهم بُعْدَ عهدِهم بالكفر فيما يُستقَبلُ. وتلك الحالُ لا تمنعُ(3) من نقضِ الكعبةِ وبنائها على الوجه المذكور.
          ومن هذا النوع قولُ عبد الرحمن بن الحارث لأبي هريرة ☺: «إنِّي ذاكرٌ لكَ أَمْراً، ولولا مروانُ أَقْسَمَ عليَّ فيه لم أَذْكُرْهُ لكَ». [خ¦1925] [خ¦1926]
          ومن هذا النوع قولُ الشَّاعر:
لولا زهيرٌ جفاني كنتُ مُنْتَصِراً                     ولم أكُنْ جانحاً للسِّلم إذْ جَنَحُوا
          ومثله:
لولا ابنُ أَوْسٍ نَأَى مَا ضِيمَ صاحبُه                     يوماً ولا نابَهُ وَهْنٌ ولا حَذَرُ
          الثالث: وهو المُخَبُر عنه بكونٍ مُقيَّدٍ يُدركُ معناهُ عند حذفِه، كقولك: (لولا أخو زيدٍ يَنْصُرُهُ لَغُلِبَ)، و(لولا صاحبُ عَمروٍ يُعِينُه لَعَجَزَ)، و(لولا / حُسْنُ الهاجرة يَشْفَعُ لها لَهُجِرَتْ).
          فهذه الأمثلة وأمثالهُا يجوزُ فيها إثباتُ الخبر وحذفُه/؛ لأنَّ فيها شبهاً بـ: (لولا زيدٌ لزارنا عمروٌ)، وشَبَهاً بـ: (لولا زيدٌ غائبٌ لم أَزُرْك). فجاز فيها ما وَجَبَ فيهما من الحذف والثبوت.
          ومن هذا النوع قولُ أبي العلاء المعرِّي في وَصْفِ سيفٍ:
فلولا الغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالَا
          وقد خطأه بعضُ النحويين، وهو بالخطأ أولى. /


[1] في (ج): (يُسِّر) من غير تاء التأنيث
[2] في (ج): (يكن) بياء المضارعة.
[3] في (ج): (لا يمتنع) تحريف.