الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: عقد الإزار على القفا في الصلاة

          352- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ): الكوفي (قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ): أي: ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (قَالَ: حَدَّثَنِي وَاقِدُ): بالقاف: أخو عاصم المذكور، تابعي (ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ): تابعي مشهور (قَالَ: صَلَّى جَابِرٌ): أي: ابن عبد الله (فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ): بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: جهة (قَفَاهُ).
          وجملة: (وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى المِشْجَبِ): حال والمِشْجَب _بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الجيم وبالموحدة_ عيدان تضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب وغيرها. وقال ابن سيده: المشجب والشجاب: خشبات ثلاث يعلق عليها الراعي دلوه وسقاءه، وفي المثل: فلان كالمشجب من حيث قصدته وجدته
          (قَالَ): وللأربعة زيادة فاء (لَهُ): أي: لجابر (قَائِلٌ): هو عبادة بن الوليد بن الصامت، كما في مسلم، أو سعيد بن الحارث، لما يأتي قريباً أنه سأله عن هذه المسألة، وسيأتي في باب الصلاة بغير رداء: فقلنا، فلعل السؤال تعدد، قاله في ((الفتح))
          (تُصَلِّي): بتقدير همزة الإنكار (فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ): وسقطت الفاء من بعض الأصول؛ أي: جابر (إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ): باللام، وهي ساقطة للحموي والكشميهني، ورواها والمستملي بلفظ:<هذا>: أي: الفعل المذكور من صلاته بإزار معقود على قفاه، وله ثياب موضوعة على المشجب
          (لِيَرَانِي أَحْمَقُ): أي: جاهل، ولذا قال في حديث آخر: أحببت أن يراني الجهال مثلكم، فجعل الحمق كناية عن الجهل.
          والحمق كما في (النهاية): وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه.
          وفي ((القاموس)): حمق ككرم وغنم حُمقاً _بالضم وبضمتين_ وحماقة، وانحمق، واستحمق فهو أحمق: قليل العقل. / انتهى
          (مِثْلُكَ): نعت (أحمق) لعدم تعريفه بالإضافة في مثل هذا الموضع (وَأَيُّنَا): بتشديد الياء: استفهامية تفيد النفي (كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ): وللأصيلي: <رسول الله> (صلعم ؟): مقصوده: بيان إسناد فعله إلى ما تقرر في عهده صلعم.
          وقال في ((الفتح)): أي: كان أكثرنا في عهد النبي صلعم لا يملك إلا الثوب الواحد، ومع ذلك فلم يكلف تحصيل ثوب ثان ليصلي فيه، فدل عل الجواز. انتهى.
          وأقول: دلالة: (وأينا كان له..إلخ) على كان أكثرنا غير ظاهرة، ولعله حمله عليه؛ لأنه الواقع.
          ثم قال: وعقب المصنف حديثه هذا بالرواية الأخرى المصرحة بأن ذلك وقع من فعل النبي صلعم بكون بيان الجواز به أوقع في النفس لكونه أصرح في الرفع من الذي قبله. وخفي ذلك على الكرماني فقال: دلالة الحديث الأخير على الترجمة التي هي عقد الإزار على القفا، إما لأنه مخروم من الحديث السابق، وإما لأنه يدل عليه بحسب الغالب، إذ لولا عقده على القفا لما ستر العورة غالباً، ولو تأمل لفظه وسياقه بعد ثمانية أبواب لعرف اندفاع احتماليه؛ فإنه طرف من الحديث الآتي هناك لا من السابق، ولا ضرورة إلى ادعاء الغلبة فإن لفظه: (وهو يصلي في ثوب ملتحفاً به) وهي فيما يظهر قصة أخرى، كان الثوب فيها واسعاً فالتحف به وكان في الأولى ضيقاً فعقده، ويأتي قريباً ما يؤيد هذا التفصيل.
          وفي الحديث: الأخذ بالأيسر مع القدرة على غيره توسعة على العامة ليقتدى به، وأن للعالم أن يصف بالحمق من جهل دينه، وأنكر على العلماء ما لم يعلمه من السنة.